سلط معرض الجزائر الدولي للكتاب، الضوء على العديد من الإصدارات والناشرين، وكان فرصة مربحة لعدد كبير من دور النشر الوطنية والأجنبية، كان أيضا فرصة لعدد آخر من دور النشر لتعيد ترتيب بيتها الداخلي، خاصة وأن تلك الدور لم تجد الفرصة السانحة لها لتفرض نفسها على الزائر في الوقت الذي يسعى فيه القارئ الجزائري إلى أجنحة المعرض وهو يملك قائمة مفصلة عن الكتب التي يرغب في اقتنائها، حيث تكون عادة تلك القوائم مليئة بكتب الطبخ، الكتب شبه المدرسية، كتب الدين، الفلسفة، التاريخ، الروايات، القواميس، اللغات، ولكنها خالية من الدواوين الشعرية. عن هذه الظاهرة تستعرض الناشرة آسيا علي موسى، مديرة دار”ميم” للنشر من الجزائر، تجربتها في عالم النشر، حيث تقول أن تجربة “ميم” لازالت تجربة فتية، ولكنها في المقابل، قدمت للمكتبات الجزائرية عددا معتبرا من الأعمال الشعرية لشعراء جزائريين وعرب، ولعل أهم تجربة قدمتها للقارئ الجزائري هي تجربة المفكر والشاعر الفلسطيني الراحل، حسين جميل البرغوثي، الذي ترك إرثا شعريا لا يستهان به، ويقدره كل الناشرين العرب الذين سبق لهم وأن اطلعوا على أعمال هذا المفكر، الذي صدر له ما يزيد عن ستة عشر عملاً، توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفولكلورية، إضافة إلى العشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية، بعدة لغات. وتضيف آسيا أنها بحثت طويلاً عن عائلة هذا الشاعر الذي رحل سنة 2002، وفي الأخير استطاعت أن تحصل من زوجته على حقوق إعادة طبع بعض أعماله وهي سيرته الذاتية التي تصدر بالجزائر في طبعة ثالثة باللغة العربية، بعد صدورها باللغة الفرنسية عن دار “سندباد”، عن بيت الشعر الفلسطيني ومؤسسة بيت المقدس للدراسات والنشر 2001، ونص “سأكون بين اللوز”، ولكنها وبعد المشاركة في فعاليات الطبعة الحالية من “سيلا”، تفاجأت بكون العديد من الزوار سواء كانوا عاديين أو ينتمون إلى النخبة المثقفة، لم يسمعوا من قبل بهذا المفكر الكبير، كما لم يتكلفوا عناء تصفح الكتاب، تماما كما حدث مع سلسلة الأعمال الشعرية التي تم عرضها بالجناح، وهي في مجملها تجارب شعرية جزائرية وعربية قيّمة جداً، حيث أصدرت الدار ما يزيد عن 15 ديوان شعري منذ نشأتها سنة 2007، ولكنها التمست أن القارئ الجزائري لازال بعيدا جدا عن الشعر، وهو ما جعله لا يقبل على هذا النوع من الإصدارات، عكس الإصدارات الأخرى ككتب الدين، الفقه، الشريعة، والكتب العلمية، وصولاً إلى الرواية التي أصبح الجميع يراهن عليها. وفي سياق متصل، قالت المتحدثة إن الزوار الذين يقتنون هذا النوع من الإصدارات هم فئة قليلة جداً، تكون في الغالب شعراء، أو مترجمين، كما أسر لنا العديد من هؤلاء الناشرين أن أكثر وقت يجد فيه الناشر فرصة لتوزيع وبيع هذا النوع من الأعمال هي حفلات التوقيع التي يصاحبها حضور عدد معتبر من المهتمين بهذا النوع من الآداب، اللقاء فرصة للحديث عن الشعر وهموم الشاعر. هذه الحقيقة شكلت صدمة للعديد من الناشرين الوطنيين والأجانب، خاصة هؤلاء الذين يراهنون على النص الشعري، والذين شاركوا في فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته ال15 التي اختتمت مساء أمس، بالمركب الرياضي محمد بوضياف، بالعاصمة.