ما الذي يريده المخرج الفرانكو-جزائري عمّور حكّار، صاحب "البيت الأصفر"، من وراء تقديمه لفيلم يجتر فيه حكاية الهجرة غير الشرعيّة إلى فرنسا، مع إضافة عنصرين معقّدين للحبكة الدرامية هما بطلان إيرانيان مثليان جنسيا؟؟ هذا هو السؤال الكبير الذي طرحه أغلب من حضروا عرض افتتاح الأيام السينمائية للجزائر العاصمة والتي اختارت فيلم حكّار الجديد "بضع أيّام من الراحة .."quelques jours de répit، لافتتاح طبعتها الثانية، لكن بعد استكمال عرض الفيلم، خرجت بسؤال شخصي بعيد عن عقدة الطابو، وعن السؤال المفخّخ أعلاه، خرجت بسؤال هو :" ما الذي يريده حكّار من اللون الأصفر؟؟" من "البيت الأصفر" إلى "الغرفة الصفراء" قبل أربع سنوات طرح حكّار فيلمه الأوّل "البيت الأصفر"، الذي حظي بترحيب كبير في مختلف مهرجانات السينما العالميّة، على غرار مهرجان روتردام، حيث حصد جائزة الصقر الذهبي في دورته الأخيرة. أمام ثنائيات الموت والحياة من جهة والحزن والفرح من جهة أخرى، والتي ميّزت "البيت الأصفر"، لفت أنظار مشاهدي الفيلم اعتماد حكّار على رمزيّة الألوان، ولعلّ اللون الأصفر الذي تحمله عتبة عنوان الفيلم، كان أهم خلفية لصورة فيلم حكّار الأولّ.. في فيلم "بضع أيّام من الراحة" الجديد، بدا جليا أن "اللون الأصفر" ليس مجرّد مشهد ثابت في فيلم أول لمخرج مغامر، وإنما بصمة "حكّارية" قد تحمل دلالات مفتوحة على الاحتمالات، ففي فيلم "البيت الأصفر" يذهب الطفل مولود إلى الصيدلي ويسأله عن دواء للحزن، فيخبره الصيدلي أن ليس هناك دواء للحزن، قبل أن ينصحه بأن يدهن بيته باللون الأصفر، كما فعل شخص يعرفه فتفرح زوجته وتتجاوز حزنها، فيسمع الطفل النصيحة ويدهن البيت بالأصفر لكن الأمر لا يجدي نفعا، مثلما لم يُجد هذا اللون نفعا في بقاء محسن (بطل فيلم بعض أيّام من الرّاحة) في بيت الفرنسيّة يولندا؛ التي طلبت منه أن يدهن غرفة بيتها باللون الأصفر، كحجّة لدفعه إلى البقاء معها، بعد أن وقعت في حبّه. محسن (جسّد الدور عمور حكار ذاته) وصديقه (جسّد الدور سمير قاسمي)، رجلان مثليان جنسيا، يهربان من موطنهما إيران بعد الحكم عليهما بالإعدام من طرف الأمن الملالي، ليجدا نفسيهما في قرية حدودية فرنسية هادئة، يضطران لركوب القطار من أجل التوجّه إلى باريس الحريّة، وفي القطار يتعرّف محسن على يولندا (جسّدت الدور الممثلة الفرنسية مارينا فلادي) وهي امرأة في سنّ اليأس تُدرك أن محسن متواجد في التراب الفرنسي بطريقة غير شرعيّة، يجذبها هدوء محسن ورزانته، ورغم تحفّظها تدعوه إلى بيتها بحجّة تكليفه بدهن غرفة في بيتها "باللون الأصفر" بمقابل ماديّ، لكن في حقيقة الأمر دعته من أجل التقرّب منه أكثر، وهو ما يحدث بالفعل، حيث تتطوّر الأمور إلى حدود التورّط العاطفي والجنسي، وهو ما يثير حفيظة الصديق حسان، في مشاهد شحيحة الحوار والشخوص، اعتمد فيها حكّار على الحوار البصري والإيمائي أكثر من الكلمات، تنتهي - باختصار - في قطار ثان نحو ترحيل الصديقين إلى بلدهما بتهمة الهجرة غير الشرعيّة.. الشذوذ على قاعدة اللون الحديث عن كسر طابو المثلية الجنسية، قد يبدو هامشيا مع فيلم حكّار، رغم أن محور الفيلم يلعب على هذه الثنائية، وقد نذهب إلى حدّ القول بأن حكّار نجح في السير على حبل الطابو، من خلال إرضاء لجان المهرجانات التي تدعم هذا النوع من الأفلام من جهة، وعدم الإيغال في مشاهد وصفية نمطيّة للفعل المثلي من جهة أخرى، خصوصا وأن الفيلم مدعوم من طرف وزارة الثقافة الجزائرية، مع الإشارة إلى أن حكّار قبل عرض فيلمه في قاعة السينماتيك قبل يومين بالعاصمة، قالها بصريح العبارة "أعرف أن هذا الفيلم سيجلب لي الكثير من الانتقادات".. وبعيدا عن حتميّة الانتقادات التي ينتظرها صاحب الفيلم، دعونا نعود إلى دلالات اللون في أفلام عمّور حكّار.. للون الأصفر دلالات كثيرة، كما يصنّفه المختصّون، فعند بعضهم هو لون الجمال والتألق والحيوية، وعند البعض الآخر هو لون ورقة ساقطة في الخريف؛ ما يثير إحساسا بالمرض أو الهزل، وعند آخرين هو لون الرمال الشاسعة التي تثير الإحساس بالجفاف، وعند أصحاب النظرة البراغماتية، هو لون بريق الذهب والفخامة.. وعند المتشائمين هو لون الغش والخداع واليأس. ولعلّ أهمّ من أعطى للأصفر بعدا منفتحا على الحياة هو الجواهري من خلال قوله : (ترى الورقة الصفراء تنمو على الحيا/رويدا كما ينمو الرضيع على الدرِّ). فاللون الأصفر عند الجواهري؛ ينمو على الحياة كما الرضيع الذي ينمو على حليب أمه.. للون الأصفر إذن؛ دلالات شتّى، فما هي دلالاته عند حكّار، الذي يصرّ على استحضاره في كلّ أعماله السينمائيّة، على قلّتها؟؟ الأكيد أنني لم أجد لدلالات اللون الأصفر، إشارة على مدلول المثليّة الجنسيّة.. مع العلم أنه وفي ستينيات القرن الماضي في الولاياتالمتحدة؛ كان ارتداء اللون الأخضر يوم الخميس يعتبر إشارة إلى الشذوذ !!