مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في روسيا في الربيع القادم، تزداد حدة الحملات الدعائية خارج روسيا أكثر من داخلها، ضد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، مع تردد الأصداء والشائعات حول احتمال ترشحه للرئاسة، وكثيرون خارج روسيا من لا يريدون عودة بوتين للرئاسة، وخاصة في واشنطن. والسبب وراء هذا العداء والكراهية لبوتين، أن اسمه أصبح مرتبطا بشكل واضح، بعودة روسيا لتمارس دورها كقوة عظمى على الساحة الدولية، الأمر الذي سيصطدم قطعا بمصالح القوى الكبرى الأخرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية. فقد أثبتت فترة حكم بوتين لروسيا من عام 2000 حتى عام 2008، للكثيرين أن لدى هذا الشخص طموحات وطنية بلا حدود، وأنه مؤمن تماما بأن بلاده تستحق مكانة الدولة العظمى، وقد انعكس هذا بوضوح في تصريحه الشهير الذي أطلقه أثناء وجوده في الكريملن، والذي لا ينساه له العالم كله، حيث قال في خطابه أمام البرلمان الروسي في أبريل 2005 ”إن انهيار الاتحاد السوفييتي كان الكارثة الجيوسياسية الأكبر في القرن العشرين، ومأساة حقيقية”. كما زادت حدة الخوف من بوتين في الغرب وواشنطن، بعد تعبيره عن احترامه وتقديره لشخص الزعيم السوفييتي الحديدي ستالين، الذي اعتبره بوتين مؤسس القوة السوفييتية العظمى، وأمر بإعادة تدريس الحقبة الستالينية للتلاميذ في المدارس الروسية، بعد تحريمها لأكثر من ستين عاماً مضت. هذه الأمور وغيرها، كان من الممكن ألا يكون لها هذا التأثير وردود الفعل، لولا حجم شعبية بوتين الكبيرة والمتزايدة بحدة في روسيا. وتفيد كافة استطلاعات الرأي بأن شعبية بوتين زادت بنسبة كبيرة في العامين الماضيين عما كانت عليه أثناء فترة رئاسته لروسيا، خاصة في الأوساط الشبابية من الجنسين. وقد سرب موقع ”ويكيليكس” مؤخرا وثائق جديدة عن روسيا، مكتوبة بخط دبلوماسيين أميركيين مكلفين بمراقبة الأوضاع داخل روسيا ورفع تقارير بكل شيء إلى واشنطن، ومن هذه الوثائق التي تم تسريبها أواخر أغسطس المنصرم، برقية بعث بها نائب سفير الولاياتالمتحدة في روسيا دانييل راسل، يتحدث فيها عن شعبية بوتين المتزايدة في الأوساط الشبابية، ويقول إن الجميع يقولون إنه بفضل بوتين تجاوزت روسيا مشاكلها وعادت إلى الساحة الدولية كلاعب قوي. وذكر راسل في برقيته أن روسيا خرجت من أزمتها الاقتصادية والمشاكل التي عانت منها في تسعينات القرن الماضي، وعادت تمارس دورها كقوة عظمى، وأشار إلى أن واشنطن لا يجوز لها أن تتجاهل أو تستخف بروسيا، التي تمتلك ثروة نفطية هائلة واحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي، إضافة إلى السلاح النووي وحق النقض في مجلس الأمن الدولي. كما كشفت برقيات أخرى تم تسريبها، عن قلق الدبلوماسيين الأميركيين من مساعي روسيا لنشر نفوذها في الساحة السوفييتية السابقة، وإقبال هذه الدول عليها في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، كما كشفت البرقيات عن قلق واشنطن من اعتماد أوروبا الكبير على النفط والغاز الروسيين. في واشنطن لا يوجهون أية انتقادات لروسيا في شخص الرئيس ديمتري ميدفيديف، بل كل انتقاداتهم وهجومهم على رئيس الوزراء بوتين، رغم ابتعاده شكلاً عن السياسة الخارجية، خاصة من اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري في واشنطن، والذي لا يخفي قادته بغضهم وكراهيتهم لروسيا ولبوتين أيضاً، وآخر ما صدر عنهم منذ أيام، ما صرح به المرشح الجمهوري السابق للرئاسة جون ماكين لقناة ”فوكس نيوز”، في حديثه حول الثورات الشعبية في البلدان العربية، حيث قال ”إن الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك يجب أن تكون تحذيرا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يجلس في الكريملن مع أصدقائه من ال”كي جي بي”، وينبغي له أن ينتبه إلى أن رياح التغيير التي تهب من الشرق الأوسط ستصل إليه في روسيا الذي طال أمد حكمه لها”. هل من المعقول أن جون ماكين لا يعرف أن بوتين ليس رئيس روسيا، وأنه ترك الكريملن منذ أربعة أعوام مضت؟ من المؤكد أنه يعلم ذلك جيدا، لكنه تعمد هذا القول بقصد الإيحاء بأن بوتين هو الذي يدير الأمور في روسيا، وليس ميدفيديف. على ما يبدو فإن الحملة الغربية ضد بوتين ستزداد حدة في الأيام القادمة، مع اقتراب انتخابات الرئاسة الروسية، ولن تهدأ حتى يتم الإعلان عن أن بوتين لن يترشح للرئاسة، وهو الأمر الذي يتوقعه الكثيرون، وأنا شخصياً أتوقعه، وأتصور أن التكثيف الإعلامي حول بوتين في الفترة الأخيرة وتزايد شعبيته، ما هو إلا دعم لمن سيرشحه بوتين للرئاسة، مثلما حدث في المرة الماضية، ولا حاجة لبوتين في الرئاسة، ولديه من السلطات والمشاغل والمهام ما يكفيه تماماً، ولديه من الشعبية الكاسحة ما يمنحه لقب القائد الوطني.