فسر الباحث التونسي المختص في الحركات الإسلامية، الدكتور رياض الصيداوي، في حوار مع “الفجر” فوز حركة النهضة في الانتخابات التونسية برغبة الشعب التونسي في التغيير الراديكالي واستبعاد كل الوجوه التي تعاملت مع نظام بن علي ووجدت في الحركة التي عاشت في المنفى ما تصبو إليه، فضلا عن توفر الحركة على الميزانية والدعم الخليجي المالي والإعلامي، مشيرا الى قناة الجزيرة فضلا عن تفتت القوى المنافسة وعدم ائتلافها مثل تيار اليسار وتيار القوميات العربية، كما أن هذه الحركات الإسلامية المعتدلة تلقت الضوء الأخضر الأمريكي أيضا. لماذا في رأيكم فازت حركة النهضة بأصوات أغلب التونسيين؟ شخصيا لم أفاجأ بفوز حركة النهضة بل توقعت أن تحقق نسبة أكبر من النجاح وذلك لعدة عوامل سوسيولوجية، أولها أن الثورة التونسية تريد أن تحدث القطيعة مع نظام بن علي لذلك لاحظنا تراجعا لكل الأحزاب التي تعاملت مع النظام المخلوع لأن الشعب التونسي يريد أن يقطع علاقته بكل ما كان له صلة ببن علي، وفي المقابل لاحظنا أيضا أن أغلب الأحزاب التي رفعت شعارات راديكالية هي التي حققت تقدما في الانتخابات. فالناخب التونسي توجه نحو التخلص من كل الوجوه القديمة. أما ثاني عوامل نجاح حركة النهضة فيتمثل في الميزانية الضخمة التي تتمتع بها الحركة فهي الحركة الوحيدة التي يدفع أعضاؤها 5 بالمائة من دخله للحركة فضلا عن أن الحركة تمتعت بدعم خليجي خاصة من طرف دولة قطر سواء بدعم مالي مباشر أو بطرق غير مباشرة عن طريق الفضائيات الإعلامية. فقناة الجزيرة القطرية وقناة الحوار كلاهما دعمت الحركة كثيرا، ويضاف الى عوامل نجاح هذه الحركة أيضا أنها ظُلمت كثيرا في عهد بن علي وقضت سنوات في المنفى ما أكسبها تعاطفا تونسيا، كما أن تفتت قوى اليسار في المقابل وعدم اتحادها في ائتلاف أضعف إمكانية منافستها للحركة ونفس الشيء للأحزاب القومية العربية والإسلامية التي انقسمت وشتتت، كما أن هذه الاحزاب تفتقر إلى ميزانية ضخمة. ما هي قراءتكم للاحتجاجات التي أعقبت إعلان فوز حركة النهضة رافضة النتائج ؟ الاحتجاجات تتم عادة من جماعات متطرفة سواء من السلفيين أو من التيارات التي لا تقبل اللعبة الديمقراطية، لكن الأهم من هذا أن أغلب الأطراف التونسية وأهمها قبلت النتائج، خاصة وأن عملية الاقتراع جرت بشكل ديمقراطي وهادئ وسلمي ولم يسجل أي قتيل أو جريح. ماهي احتمالات تكرار ما حدث في الجزائر في تونس مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة لحركة النهضة؟ تكرار السيناريو الجزائري في تونس مستبعد جدا لعدة أسباب أهمها أن الحركات المعتدلة أخذت الضوء الأخضر من واشنطن فالغرب اليوم لم يعد معاديا للحركات الإسلامية بل يشجع الحركات المعتدلة على شاكلة حركة النهضة وحركة الإخوان المسلمين، حتى أن وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبيه، قال إن الحركات الإسلامية ستفاجئكم، في إشارة إلى فوزها. كيف تفسرون التغيير في الموقف الأمريكي تجاه الحركات الإسلامية من رفضها إلى القبول بها؟ الولاياتالمتحدة والغرب عموما يريد أن يحاصر الإسلام الراديكالي وهو يتجه اليوم إلى القبول بالتيارات الإسلامية المعتدلة، كما يسميها الغرب. فواشنطن قيمت التجربة التركية أين يشكل الإسلاميون الحكومة مع وجود جيش قوي يراقبهم وهو ما يحدث في مصر أيضا وما سيحدث ربما في تونس أيضا.
هل من الممكن أن يحدث صداما بين حركة النهضة وبعض الممارسات غير الإسلامية الموجودة في تونس؟ راشد الغنوشي وأعضاء حزب النهضة عاشوا 20 سنة في لندن ويعرفون محدودية التغيرات الراديكالية، وحركة النهضة قالت إنها ستبقي باب ممارسة الحريات مفتوحا فستبقي على المقاهي والملاهي والمراقص، وقد لاحظنا كيف أدانت الحركة الهجوم على تلفزيون “نسمة” عندما عرض فيلما كارتونيا يسيء إلى الإسلام ودعت إلى التعامل بالحوار والقوانين وليس بالعنف. أظن أن حركة النهضة فهمت الموازين الدولي.