لأول مرة ألمح الشبه بين كلمتي "الشعر" و"الشرّ"، والمفارقة هي أن "العين" أنقذت المعنى في الكلمة الأولى (...) لقد كان نزار قباني ومحمود درويش وأحمد مطر، بالنسبة لأغلب المبدعين من جيل السبعينيات وبداية الثمانينيات، بمثابة "مثلث برمودا" الذي من الاستثنائي الخروج منه بأمان؛ نحو "كولورادو" الخصوصية الشعرية.. إلى درجة أن الكثير من المبدعين الشباب كسروا أقلامهم بعد أن اتهموا بالتلبس بأرواح نزارية أو درويشية أو مطرية، ومنهم من استحلى هذه التهمة الجميلة التي سلبتهم خصوصيتهم وألصقت على كتاباتهم حتمية الانتماء لأحد البرموديين. لذلك بات من النادر علينا أن نلتقي بقصائد نشتمّ في كلماتها رائحة الشيح الجزائري أو تجلس على أسطرها بقرفصة الترڤي وجمال جلسة شاي صحراوي أو تقرأ في طيّاتها طفولتك المشاكسة حول أشجار التين وفوق زربية الحنبل. إن روعة قصائد نزار، تبدأ من قدرته على التقاط الصور اليومية التي يمر أمامها الجميع من دون الانتباه إلى روعتها؛ قبل أن يقرأوها ملفوفة بالسحر في قصائد نزار.. إلى درجة أصبح فيها الياسمين الدمشقي أو نوافير البيوت الشامية أيقونة جمال عربية، مثلما أصبح خبز أم درويش وزعفران الجليل أيقونة مقاومة عربية. لذلك يحز في النفس، أن نقرأ في قصائد الشعراء الجزائريين الشباب، عن ياسمين الشام وعن نخيل الجزيرة العربية وعن النبيذ الفرنسي المعتّق بذائقة عارف وعن العيون الزرقاء والخضراء والسماء الباريسية ولا نعثر على وجوه الجزائريين ويومياتهم داخل قصائدهم. لقد أصبح الكثير من الشعراء الجزائريين الشباب، يعيشون بالفعل اغترابا شعريا، ليس مرتبطا فقط بمثلث برمودا الشعري، وإنما اتسعت رقعته اليوم، لتشمل اللاانتماء.