"ربيع الثورات العربية"، أفقد مفاهيم الحوار بين الحضارات والثقافات يعتبر الكاتب أنور بن مالك من الكتاب المتمردين على الكتابات الأدبية بكل أنواعها وعلى الوضع العام الذي يشوب الوطن العربي هو كاتب له وزن أدبي كبير، له العديد من الأعمال تنقسم بين الرواية والشعر والقصة متحصل على شهادة دكتوراه دولة في الرياضيات مقيم بفرنسا له عدة إصدارات قيمة منها على”العشاق المتفرقون”، ”ابن الشعب العتيق”، ”الاختطاف”بالإضافة إلى عمله الروائي الجديد الموسوم ب ”سوف لن تموتي غدا”، يتحدث الكاتب أنور بن مالك في هذا الكتاب عن مختلجاته النفسية التي ضاعت منه جراء تنقلاته المستمرة بين الجزائر وفرنسا وأفقدته مجال للتعبير عن أحاسيسه الحقيقية لدى اقرب الناس لديه و هي ”والدته” التي توفيت مؤخرا، محاولا من خلال آخر إصداره تكريم والدته التي عاش معها ولم يستطيع أن يقول لها أشياء كثيرة، ”الفجر”، التقت به مؤخراً على هامش مشاركته في نشاطات المعهد الفرنسي بالجزائر وكان لنا معه هذا الحوار.. يبدو أن الأحاسيس المرهفة هي الطاغية على معظم كتاباتك الأدبية، هل لنا أن نعرف سبب هذا الاتجاه؟ وهل هذا عبارة عن تعبير حقيقي لكل ما يحدث في خباياك النفسية ؟ يبدو أننا أصبحنا في مجتمع افتقد للغة الأحاسيس للتعبير عن كل ما يملكه من خبايا نفسية بالإضافة إلى القول أنه حان الوقت لقول الحقيقة التي تغيب عن أذهاننا وعن فكرنا الأدبي وعلى الكاتب أن ينغمس في تأملات الوقع بفرض أحاسيس خاصة تجعل منه كاتبا خاصا تمليها أعمالا إبداعية لا زيادة فيها ولا نقصان في تحديد الهوية الغائبة عن الكتابة الأدبية الجزائرية في الوقت الراهن. حقا أنا اخترت مهنة الكتابة ووصلت إلى سن يجعلني لا أملك ما أقدمه إلا كتابة ما أفكر فيه بكل صدق، هذا لا يعني أنني أمتلك الحقيقة، ولكنني ملزم بقول ما أفكر فيه لأنها قضية كرامة بكل بساطة. هل ترى أن فعلا غياب الهوية في الكتابات الأدبية الجزائرية ساهم في تدني مستوى الأدب في بلادنا؟ قد لا أوافقك في الرأي لان المشكل لا ينطوي فقط في الهوية، بل فعل النقاش في حد ذاته، كمحرك في تبني سياسة فكرية واضحة خاصة ونحن في الجزائر بحاجة أن نسمع بعضنا، وأن نتناقش، الحوار والحديث فعل حضاري قبل كل شيء، علينا أن نفتح قنوات الحوار، فالجزائريون لا يجيدون التحدث والكلام لأننا نفتقد لقنوات حوار تثير الفعل الكلام للتعبير عن الذات، كل شيء مغلق، علينا أن نلغي من معاملاتنا كلمة ”لا ندري ولا يحق علينا”، ونتخلص من هذه الرقابة على الذات وعلى الفكر، لأننا نطمح الرقي إلى مستوى الدول المتقدمة في هذا المجال. كيف يرى بن مالك ككاتب وأديب مستوى النقد الأدبي في الجزائر؟ حقيقة لا نملك نقدا فعالا في بلادنا لان النقد بالنسبة للجميع هو سب وشتم والعديد من الكتاب والروائيين والمبدعين لا يرضون بالنقد على أعمالهم وهذا في حد ذاته عار وعيب لأننا فعلا لا نملك أساليب القراءة والكتابة النقدية على أحقها بل الأصعب من ذلك هناك من لا يقرا الكتاب أو يطلع على معلوماته ويقوم بنقد ممكن أن أسميه”اعتباطي” لا يرتقي إلى مستوى النقد الفعال وهو الأمر الذي حدث في الكتاب الذي الفته عن إحداث ملوزة حيث صرح أحد الكتاب أنني ضربت الجزائر بخنجر ولم أتكلم عن حقيقة ملوزة بالرغم من أنها حقيقة معروفة ففي البلدان العربية لا يدركون معنى النقد الحقيقي وهذا شيء حزين لأن العديد لا يجيد قواعد الكتابة وقواعد النقد الحقيقية. تضم أعمالك الأدبية العديد من المشاهد العنيفة وفيها مزج بالأحاسيس المرهفة الجياشة، هل تريد أن تؤكد لنا أن الواقع أسوأ من الخيال؟ عندما كتبت رواية ”الاختطاف” واجهتني مشكلة حقيقية تتمثل في كيفية كتابة مشاهد مرعبة بطريقة يتقبلها عقل القارئ، ولهذا أقول نعم؛ الواقع أسوء بكثير من الخيال، ولو كتبت الواقع كما هو لما تحمّل القارئ ذلك، فالتركيبة الفكرية مختلفة من قارئ إلى آخر ولكنها وقائع حدثت فعلا في فترة سوداء من تاريخ الجزائر عانى منها الشعب كل ويلات الخوف من المستقبل. وجهت لكم انتقادات لاذعة عن كتاب ”اومريا” وأنكم تهاجمون الدين الإسلامي كيف تردون على ذلك؟ هذه مغالطة عظمى أنا لم أشجع على ذلك إطلاقا فكتاب ”اومريا” يتكلم عن حياة موريسك الذي اعتقل في اسبانيا في القرن ال16 كما كان آنذاك تناقض كبير عن ما كان يقوله المسيحيين عن المسلمين وهي كلمات غير لائق وهي التي وظفها الكاتب في كتابه، وممكن أن أقول أن هؤلاء الذين هاجموا هذا العمل لم يقرؤوا هذا الكتاب بتاتا بل أنا أردت تكريم موريسك من خلاله وهذا عيب وعار عليهم. تعاني الشعوب العربية في الوقت الراهن عدة أزمات بفعل الثورات العربية فكيف ترون المشهد السياسي العربي؟ الثورات العربية أحدثت فوضى واشتباكات كبيرة راح ضحيتها الأبرياء وهو ما يؤكد لنا أن توظيف الديمقراطية في مفهومها الصحيح غائب عن أذهان العرب لأننا ننظر دائما إلى الأشياء بعنف كبير لان اختلاف في الرأي يحدث قتل وحرب وخراب وهو الأمر الذي يحدث في سوريا وفي عدد من الدول العربية التي مسها ربيع الثورات العربية الذي أكد على أن مفهوم الحوار بين مختلف الحضارات والثقافات لازال غائبا. فالوطن العربي اليوم أمام مفترق الطرق، أي محطة تاريخية مهمة، فإذا استطاع الإسلاميون تسيير الأمور وانتقلت السلطة بطريقة ديمقراطية فسيكون منعرجا حاسما ورائعا في تاريخ المنطقة كلها، وإن فشلت فإن تداعيات الفشل ستنطلق إلى كل البلدان العربية الأخرى التي عليها أن تحذر من هذا المدّ الخطير. ما هي الرسالة التي توجهونها للأدباء في بلادنا؟ ممكن أن أوجه كلمتين فقط وكل واحد يوظفها بمفهومها الخاص علينا أن ندرك التعاليم الحقيقة للحوار والسلم.