كنت أظن أن العسكر لن تنطلي عليه مرة أخرى الحيلة ويزج به من جديد في مستنقع السياسة، مثلما فعل به المجتمع المدني في جانفي 1992 عندما جروه إلى الساحة وأقنعوه بضرورة وقف المسار الانتخابي، ثم انسحب الجميع من المشهد لتدفع المؤسسة العسكرية نصيبا أكبر من الفاتورة باستهداف حياة رجالها، وسمعتها في الأوساط الدولية. سمعة مازالت حتى الآن تسعى لاسترجاع بريقها. لكن اليوم ونحن على مشارف نهاية عهد بوتفليقة وبداية عهد جديد، بعد أن أخرجت البلاد بعضا من جسدها من النفق المظلم، يخرج علينا بعض ممن يحنون لهذا الماضي، ويطالبون المؤسسة العسكرية باتخاذ ما يسمونه ”بمسؤولياتها”، ويدعون العسكر للتدخل من جديد في الحقل السياسي ولعب دور كثيرا ما انتقدوا بشأنه. أمس، وفي منتدى صحيفة ”ليبيرتي” يخرج علينا المحلل ”السياسي” والعسكري السابق، شفيق مصباح، المعروف بتحاليله المغلوطة والذي لم يثبت حتى الآن شيء من تنبؤاته، سواء تلك التي أعطت علي بن فليس فائزا في انتخابات 2004، أو ما جاء بعدها من شروح وتحاليل. مصباح قال إنه على كل المتطلعين إلى الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 أو في حال إعلان شغور المنصب الرئاسي بسبب مرض الرئيس واستحالة القيام بمهامه الدستورية، أن يلتفوا حول عسكري آخر، اليامين زروال، وإقناعه بتسيير مرحلة انتقالية، لأنه الوحيد الذي يتمتع بإجماع. كلام خال من كل منطق وعقل، إذ كيف يعقل لزروال - الذي نكن له جميعا الاحترام لأنه ترفع عن المنصب وفضل الانسحاب بشرف ونظم انتخابات رئاسية مسبقة - أن يعود بعد كل هذا العمر إلى نقطة ”الصفر”. المثل الشعبي يقول على لسان الذئب ”اللي (الذي) تتلفتو (تلتفته) اجريه)” بمعنى أنه لا داعي للنظر إلى الخلف، وإنما يجب المضي قدما. وزروال مهما كانت الخصال الحميدة التي يتمتع بها، هو رجل من الماضي، ونحن نريد السير إلى الأمام، لأن الجزائر مع كل حجم مشاكلها الداخلية والمشاكل الإقليمية، التي تحيط بها، في حاجة إلى دم شاب، يقدر على المواجهة وعلى حجم الأعباء الملقاة على من يحتل هذا المنصب. ثم ما شأن الضباط السابقين، وأعني هنا مصباح، والجنرال محند يعلا الذي خرج هو الآخر منذ أيام يطالب المؤسسة العسكرية بتحمل مسؤولياتها مع أنه ناشط سياسي في ”رشاد” التي تعادي العسكر وتحمله مسؤولية ما تقاسيه البلاد من أزمة أمنية ومشاكل سياسية؟ فبأي حق يدعو ضباط سابقون المؤسسة للتدخل، في حين أن من الأعراف الديمقراطية الحقة أن تبقى هذه المؤسسة على الحياد؟ نعم لتتحمل المؤسسة العسكرية مسؤولياتها ببقائها على الحياد هذه المرة، ولن نعود إلى تجربة الماضي التي تركت آثارها السلبية على المؤسسة وعلى المجال السياسي، إذ تراجع الأداء السياسي للأحزاب، وحاول الكثير منهم الاختباء وراء أسماء عسكرية، وصارت هذه الممارسة وحتى الترشح لمنصب مثل منصب الرئيس لا يتم إلا تحت القبعة، أو بمحاولة إرضائها. لينسحب العسكر، وينسحب متقاعديهم من الحقل السياسي والإعلامي وليلتزم كل بصلاحياته؟!