لا بأس أن تأتي تهنئة ملك المغرب محمد السادس لنا بعيد أول نوفمبر ولو متأخرة بأسبوعين على ألا تأتي. فإرسال التهنئة ولو من فوق الشفاه على حد المثل، أفضل لنا ولمستقبل شعوبنا من الفوضى والضجيج الذي علا على صوت العقل طيلة الفترة الماضية، لما حاول ملك المغرب وبعض المطبلين في عرشه الزج بالمنطقة في أزمة نحن في غنى عنها أمام الأزمات التي تعصر المنطقة، وأمام الوضع الأمني الهش الذي تعيشه منطقة الساحل. نعم أهلا بالتهنئة حتى لو لم تكن صادرة من القلب، وحتى وإن جاءت باهتة أمام التجريح الذي استهدف الجزائر من قبل أشقائنا المغاربة طوال أزيد من اسبوعين، لكن لا بأس لما يجد العقل وسط هذا الكم من ركام الدمار في علاقة بلدينا طريقا له. ولا شك أن الكثير من الجزائريين مثلي يستبشرون خيرا بهذه البرقية وبكلماتها الدافئة التي ستبدد شيئا من ضباب الأيام الماضية. أقول هذا وفي نفسي شيء من المرارة، لا بل كثير من المرارة - وليس من منطق الحاسد - وأنا أنزل هذه الأيام ضيفة على دولة الكويت رفقة ثلة من زملائي من بلدان عربية وإفريقية لنحضر القمة العربية الإفريقية الثالثة التي ستنطلق هذا الثلاثاء، تعتصرني المرارة وأنا أمر بدبي للمرة كذا ثم أنزل بالكويت، وككل مرة أزور فيها البلدان أجد ملامح وجهي المدينتين قد تغير من الحسن إلى الأحسن، وفي كل مرة أحصي إنجازات جديدة، وأبراجا تسابق الأبراج في سباق جميل بين بلدان الخليج في معركة البناء والتشييد، بينما نحن في المغرب العربي ما زلنا على جهالتنا الأولى، نتسابق في الشتائم والسباب، وحول السباق نحو من يملك أسلحة أكثر، يخيف بها الآخر، أو يحارب بها آفة إرهاب يزداد كل يوم شراسة وفتكا بأبنائنا، نتسابق من يهدم للآخر أكثر ومن يلوي ذراعه ويكسر عظمه حتى لا يقوى ويهدد الآخر، والنتيجة أن مدننا صارت خرابا، وعقول شبابنا دمرها الحشيش الذي يمطرنا به صديقنا اللدود لأنه لم يتمكن من إمطارنا بقنابل حقيقية. قد يكون ما أكتبه أيضا منطقيا لو صدر عن زميل مغربي، فكلانا لا يرى السنام، إن لم أقل البردعة، التي على ظهره ويرى فقط سنام الآخر، وهكذا أهدرنا وقتنا وجهودنا في تبارٍ عقيم، بينما أشقاؤنا في الخليج وفي الإمارات وفي الكويت تحديدا، لا هم لهم سوى المزيد من التحدي والاهتمام بوطنيهما، عكس ما يجري في قطر والسعودية البلدين اللذين يسهران اليوم على قلب الأنظمة في البلدان العربية باسم الثورة والديمقراطية، ثورة وديمقراطية لا تعرف معناها شعوبهما. الكويت اليوم تحاول التميز عن جيرانها من مجلس التعاون الخليجي، فهي تبحث عن التغلغل في إفريقيا بالاستثمار وبالصداقة، وليس بالدبابة والقاعدة والبروباغندا المسمومة، ولذلك هي تستضيف قمة سيحضرها نفر من الرؤساء الأفارقة والعرب، وكم إفريقيا في حاجة إلى من يمد لها يد العون ويمنح أبناءها فرصا للعمل والحياة. فإلى متى يتأجل بناء مغربنا؟