دمار من كل جهة، نزوح لآلاف الأشخاص، ألسنة النار ترتفع من البقايا المباني... هي مشاهد تكررت في فيلم ”سوريون” للمخرج باسل الخطيب، الذي قدم كما هو معهود في أعماله الأخيرة إنتاجا ساد عليه السواد، في محاولة لنقل الوضع الكارثي الذي ألت إليه سوريا اليوم. فيلم سوريون عرض الأحد بمسرح عز الدين مجوبي في سياق المسابقة الرسمية للطبعة الثانية من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي. العمل جمع كلا من الممثل رفيق سبيعي، ميسون أبو أسعد، كاريس بشار، محمد حداقي... وارتكز ”سوريون” في بنائه الدرامي على ثلاث نسوة، كن بمثابة الخيط الذي يربط باقي الشخصيات والأحداث، وأختار الخطيب أن يكون السيناريو مؤسسا أيضاعلى ثلاث قصص منفصلة، الأولى عن ”زينة” التي تعاني مرضا قاتلا، تعيش قصة حب مع ابن عمها يوسف بإحدى القرى السورية المنكوبة وسط الخراب جراء الحرب، وحولتها، أما الثانية فهي عن صحفية توثق بآلتها الفوتوغرافية الصور الأليمة، ومشاهد الدمار، والنزوح الجماعي، هاتان المرأتان تلتقيان عند إنقاذ يوسف للمصورة من كمين إرهابي. ومن حين لآخر توجه الكاميرا إلى قصة فتاة تنتظر عودة خطيبها الجندي، إلا أن جماعات داعش تقتله أمام أعين يوسف، في مشهد يعكس دموية ذلك الورم الذي ينخر الجسد السوري. لمسة باسل الخطيب الإخراجية كانت بادية جليا منذ بداية الفيلم، وكان وفيا للخيارات التي انتهجها في فيلم الأم وفيلم مريم، ليتمم ب”سوريون” ثلاثية سينمائية تروي حرب دمشق الأخيرة. فالسواد طغى على كل الفيلم، والإنارة كانت ضئيلة، تعكس الحزن والرعب الذي حط اليوم على سوريا، أما الديكور فكان في المجمل عبارة عن بنايات أتت عليها الحرب الطاحنة بسوريا، أما لباس الشخصيات فجاء متمما لهذا الجو، إذ تلونت معظمها بالقاتم، معطية بذلك انطباعا بالحداد. باسل الخطيب: ”أفلامي تتكلم عن بطولة المرأة السورية” اعتبر المخرج باسل الخطيب فيلمه ”سوريون” تتمة لثلاثية بدأها ب”مريم”، و”الأم”، وأن هذه المجموعة السينمائية تسلط الضوء على معاناة وكفاح المرأة السورية في ظل الوضع المأساوي الذي تعيشه الشام اليوم. كما أوضح باسل الخطيب بعد عرض فيلمه ”سوريون” بعنابة، أن هذه الثلاثية انطلقت مع بداية الأزمة السورية، وأن اكتمالها لا يعني أن الحديث عن الوضع قد انتهى، حيث قال: ”لا يمكن أن يتصور أحد بشاعة ما يحصل في سوريا، لكن الأمل سيبقى قائما... هناك عشرات القصص التي تستحق أن يتكلم عنها”. وعن تناول السينما لموضوع داعش، أوضح الخطيب أن هذه الجماعات أصبحت جزءا من واقع المنطقة وفرضت نفسها على الوعي العربي، فلا يمكن تقديم عمل يتكلم عن الراهن دون الإشارة إلى هذه الجماعات المتطرفة التي تحصد ألاف الأرواح. وأكد مخرج ”سوريون” أن داعش لم تكن موضوعه الرئيسي في فيلمه الأخير، بل الأهم هو الإنسان السوري وقدرته على الصبر والتحدي، موضحا أن ما يهمه في أعماله هو الكتابة بطريقة واضحة دون الخوض في المتاهات الفلسفية، التي قد يعجز البعض عن فهمها، وتؤثر على الرسالة، كما قال: ”أقحمت في سوريون قصص العن حب لأنه أساس الحياة، ودافع قوي يبعث الأمل دائما... السوريون هم أهل الشمس قديما واليوم من الضروري تغيير نظرة العالم السلبية لهم، بعد أن أصبحوا لاجئين يبحثون عن ملجأ يحميهم من رحى الحرب”.