يواصل دعاة مقاطعة تشريعيات الرابع من ماي الداخل تحركاتهم في كل الاتجاهات وسط تسامح من السلطات، التي تركت لهم حيزا غير معهود من الحرية واكتفت بمراقبتهم، الأمر الذي أفرغ مساعي المقاطعة من محتواها وأدخلها في حالة من العزلة من جهة، وأكسب السلطة ورقة رابحة من جهة أخرى. تشير المعطيات المتوفرة على أرض الواقع أن السلطة تعاملت باحترافية مع المقاطعين الذين دشنوا حملة لدعوة الجزائريين للعزوف عن الانتخاب، ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الأخيرة تنتظر ممارسة ”قمع” ضدها أو تضييقا، ترك لها حرية التنقل وعقد اللقاءات بما لا يضر العملية السياسية التي ستقبل عليها البلاد يوم 4 ماي الداخل، في خطوة ايجابية حسبت للسلطة التي يبدوا أنها غيرت من خطتها اتجاه المقاطعة بعد أن منحتها عديد الفرص سابقا للبروز وخلق صدى إعلامي على المستوى الداخلي والخارجي على غرار حملة المقاطعة التي قادها أصحاب أرضية مزفران خلال رئاسيات 2014، وكذا الحملات التي قادتها حركات أخرى. بالمقابل، يؤكد متتبعون أن المقاطعين لم يجدوا التجاوب من قبل وسائل الإعلام التي التزمت بالميثاق الذي أصدرته وزارة الاتصال قبل بداية الحملة الانتخابية التي تشارف على نهايتها، حيث قاطعت غالبية نشاطات أحزاب المعارضة وخاطاباتهم وتصريحاتهم، ويسير توجه الإعلام ليس التزاما بالتعليمة التي صدرت عن وزير القطاع فقط، بل ترتكز على أن هناك اهتماما واضحا وكبيرا بالأحزاب والشخصيات التي تنشط في الفترة الحالية والتي تحضر للتشريعيات التي اتسمت ببعض التراشقات، خاصة بين أحزاب الموالاة، وهو ما غيّب المقاطعة عن التواجد الإعلامي. بعيدا عن هذا الغياب واصلت الأحزاب والشخصيات المقاطعة لتشريعيات ماي القادم في عقد لقاءات واجتماعات في عدة ولايات، حيث شرعوا في تنشيط حملة مضادة لتبرير موقفهم، فقام قبل أيام رئيس حزب ”جيل جديد” جيلالي سفيان، رفقة إطارات حزبه وعدد من المقاطعين، بزيارة ميدانية لولاية عين الدفلى للحديث مع المواطنين وشرح دوافع موقف مقاطعة التشريعيات، حيث تم توزيع بيان المجموعة وبعدها قاد أعضاء من المقاطعين بزيارات مكثفة إلى كل من ولايات برج بوعريريج وسطيف، دون أن تلقى تلك الزيارات صد إعلاميات، فيما اكتفى الباقون بالتنشيط على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي عبر مناشيرا ومقالات تدعو وتعلل الدعوة إلى المقاطعة. وفي سياق آخر، يؤكد متتبعون أن الصمت الذي فرضه حزب طلائع الحريات لرئيسه علي بن فليس الذي أعلن مقاطعته للتشريعيات، قد أفقد المقاطعة محتواها بعد أن أحجم عن عقد لقاءات أوتجمعات تدعو إلى المقاطعة. وعكس السلطة سارت الأحزاب السياسية هذه المرة عكس التيار، بعد أن شنت هجوما ضد المقاطعين على غرار حزب عمارة بن يونس، الذي قال إن خيار المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة معناه العودة إلى سنوات التسعينيات، محذرا في ذلك من بعض الأطراف التي تحاول جرّ البلاد إلى دوامة العنف والعودة إلى الوراء، في حين اكتفت الأحزاب الإسلامية بمسك العصا من الوسط واكتفت بالدعوة للمشاركة.