إستطاعت مسرحية خونة وسارق ، التي قدمت سهرة أمس الاول على ركح أحمد بن بوزيد بمدينة الجلفة، أن تجذب في عرضها الشرفي الأول جمهورا واسعا تفاعل وبقوة مع الأداء الرائع للممثلين على الخشبة. وعاش الجمهور طيلة ساعة ونصف من العرض مع أحداث تناولها نص المسرحية بلغة واقعية بسيطة وبنكهة من الكوميديا الممتزجة بجدية مفعمة بالحقيقة، تفاعل معها الجمهور تارة بالتصفيق وتارة أخرى بالدهشة والحيرة وفك شفرتها، خاصة وأنها حملت رسائل ضمنية خفية تحاكي بين طياتها واقعا مزيفا يدور فلكه حول الخيانة والسرقة وتبادل الأدوار، وذلك في عمل راح يتهكم على كل من يكتب حرفا او يقدم عملا يقال عنه أنه أضحى فنانا. وأعجب الجمهور كذلك علاوة على أحداث المسرحية بالديكور والسينوغرافيا التي رافقت هذا العمل المسرحي المحترف الثاني من نوعه الذي ينتجه المسرح الجهوي أحمد بن بوزيد بعد مسرحية عطاشى ، التي أخرجها للركح العام الفارط المخرج حواش النعاس. وتتلخص أحداث مسرحية الخونة وسارق ، التي يعود نصها للكاتب والشاعر إبراهيم الخليل حمام وإخرجها للفنان مصطفى صفراني، مدير ركح أحمد بن بوزيد ، حول وجود سارق بسيط وساذج يدله شريكه في إحدى الليالي على مسكن فاخر ورسم له خطة محكمة لدخوله وسرقة ما فيه من تحف ثمينة وبعدها الفرار والمغادرة سريعا قبل عودة اصحابه، فيلتزم السارق بالخطة المرسومة له لكنه سرعان ما يتفاجأ بعدة أحداث تقع داخل هذا البيت والتي لم يتوقعها بتاتا. وفي محاولة للخروج من هذا المأزق، يجر السارق حظه المتعثر ويصبح طرفا في تلك الأحداث التي بها طعم مرارة الخيانة. وبالرغم من الطابو الذي كسره العرض المسرحي في مجتمع يتسم بالمحافظة من خلال معالجة موضوع مجتمعي ملغم حول الخيانة في قالب مسرحي وبمشاهد كوميدية، إلا أن ذلك برره البعض بكون ذلك جرأة نجح فيها اصحاب هذا العمل المحترف للحديث عن واقع قد لا يختلف في موضوعه إثنان، وهو كسر لحواجز مجتمعية حيث لا يخلو الخير ولا الشر ولا الوفاء والخيانة في دواليب الحياة. وأكد مخرج المسرحية، الفنان صفراني، في تصريح، بأن نص المسرحية جذبه كفنان قبل أن يرسم ملامحه كمسؤول على الركح، مبرزا أن التحدي تطلب لإنجاح هذا العمل طيلة شهرين من الجهد المضني لفريق متكامل من الفنانين الذين سعى وبكل إخلاص وتفاني لجعل الخشبة تنتعش من جديد وتقدم لمحبي الفنون عرضا متميزا يليق بما يصبون إليه. ومن جانبه، أكد كاتب النص حمام، أن الفكرة مستوحاة وللأمانة الأدبية من مسرحية لايأتي كل اللصوص للمضرة للكاتب الإيطالي داريوفو الحاصل على جائزة نوبل، ولكن تم وضع فكرة النص في إطارها العربي وعدم الإمتثال لتوجات المبدع الإيطالي من حيث كونه شيوعي ويهاجم اي عقدة وسلطة حتى سلطة العائلة في حد ذاتها، وهو الأمر غير مقبول بمجتمعنا العربي والمسلم. وأضاف ذات الكاتب، أن معظم شخصيات المسرحية مستلهمة من الواقع، حيث اريد من هذا العمل المسرحي كسر الطابوهات السائدة في المجتمع وكذا إيجاد مقاربة إنسانية وتحديد نظرة المجتمع للرجل وكذا تلك المصوبة إتجاه المرأة، مع إبراز بعض القيم التي فقدها المجتمع بسبب ديناميكية عجلة العولمة المتسارعة. والجدير بالذكر، ان نظرا للنجاح الباهر للعرض المسرحي الذي عكسه الحضور القوي لهذا الأخير من محبي أبو الفنون، إرتأت إدارة المسرح الجهوي أحمد بن بوزيد إقامة العرض لثلاث أيام متتالية لفسح المجال لعشاق الخشبة من اجل الإستماع بالعرض ومضمونه القريب من الواقع بسردية كوميدية تضمنتها حوارات الشخوص الفنية المتألقة على الركح.