بدأت الأكلة التقليدية "الكسكسي" أو"الطعام" التي تطلق على الأكلة الشعبية المقدمة كوجبة رئيسية في مختلف المناسبات على غرار الأفراح، الولائم أو الجنائز عبر مختلف أقطار الوطن تقريبا في الإختفاء تدريجيا، خاصة وأنه في السنوات الأخيرة إختفى هذا الطبق تدريجيا في الأفراح والمناسبات، رغم أنه ظل لعقد من الزمن الطبق الرئيسي في مختلف مناسبات الجزائريين وفي الأفراح التي تقام في قاعات الحفلات وحتى المنازل حيث يعوّض بأطباق أخرى أكثرها عصرية كطاجين الزيتون، والمثوم، واللحم الحلو، وأنواع السلطات وغيرها من الأكلات التي قضت على الطبق التقليدي "الكسكسي". وليس فقط "الكسكسي" من غاب على موائد الأفراح، فقد غابت ثقافة "الفتيل" هي الأخرى عن البيوت الجزائرية، بعد أن قاطعت غالبية النسوة هذه الثقافة وأصبح العديد منهن يعتمدن على شراء الكسكسي جاهزا من المحلات ويتكفلن بطهيه فقط. ولمعرفة أسباب غياب هذا الطبق التقليدي، إستطلعنا آراء الشارع الجزائري الذين إتفق الكثير منهم على أنهم تركوا ثقافة «الفتيل» في المنازل ولم تعد تهتم بهذه المهنة إلا بائعات الكسكسي من أجل تحصيل الأموال وإستغلال تكاسل السيدات. التكاسل قضى على «الفتيل» أصبحت النسوة يشتكين من غلاء مختلف المكونات الأساسية للطعام الذي يعتمد أساسا على مادة السميد كمادة أساسية، فيما ذهبت الكثيرات إلى إقتناء "الكسيسي المفتول" من المحلات والأسواق جاهزا حتى أن بعض السيدات إمتنعن عن طبخه إلا في مرات قليلة وتحججن في ذلك بغلاء أسعاره، وتقول في هذا الصدد، فتيحة، ربة بيت وأم ل5 أولاد، «كانت أمهاتنا يعتمدن على الفتيل وإعداد الطعام في المنازل وكلما تذوق أفراد العائلة هذه الأكلة أحسوا بطعمها المتفرد»، وتضيف قائلة "غير أن ضيق الوقت والعمل، أجبرنا على ترك عادات أمهاتنا"، فيما تقول نعيمة، متزوجة حديثا، "أنا شخصيا أجهل تقنيات "الفتيل"، فكيف لي أن أتعلم هذه الحرفة وأمي تجهلنا؟" وتواصل قائلة "بنات جيلي كلهن يجهلن تقنيات الفتيل".
قليلات من يحترفن المهنة من أجل الكسب وكشفت مختصات في فن «الفتيل»، أن هذه الثقافة الجزائرية إضمحلت بعد أن هجرت جل البيوت الجزائرية تقريبا، ولم تعد تهتم بها إلا بعض النسوة اللواتي إخترن المهنة من أجل كسب الأموال خاصة في ظل تكاسل الكثيرات وتطليقهن لهذه الثقافة، وتؤكد خالتي فاطمة، ذات الستين عاما، مختصة في فتل الطعام، أنها توارثت "الفتيل" عن أمها وجدتها اللائي تفنن في إعداد الكسكسي وتضيف "في بداياتي، كنت أكتفي بتحضير الطعام لعائلتي وأقربائي، إلا أنني وجدت نفسي أحضّر الطعام للجيران ثم للغرباء مقابل مبلغ مالي ويشاركني في فتل الطعام بناتي، خصوصا وأننا أبينا تطليق هذه الثقافة التي نعتبرها تاريخ أجدادانا وهوية طعامنا"، فيما تكشف إحدى مختصات الفتيل، أنها أقحمت في هذه المهنة بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة، فوجدت من هذه المهنة سبيلا لتحقيق مصروف إضافي يمكّنها من إعالة عائلتها.
موضة «المثوّم» تقضي على الكسكسي في الأعراس طالت الموضة الأكلات الجزائرية حتى التقليدية منها التي ظلت لفترات طويلة تتربع على عرش موائم الولائم والأعراس كطبق الكسكسي الذي وصف سابقا بالطبق الرئيسي بلا منازع، غير أن إهتمامات العائلات تغيرت وأنواع الأكلات تغيرت هي الأخرى وبات يعتمد في الولائم على أطباق المثوم، الشطيطحة، طاجين الزيتون، اللحم الحلو، أنواع من السلطات، حيث إستغنت الكثير من العائلات الجزائرية عن طبق الكسكسي متحججات بذلك بالموضة، فيما إعتبرت عائلات أخرى أن طبق الكسكسي مكلف من الناحية المالية مقارنة بالأطباق الأخرى.