«مدينة طبنة» التاريخية يغمرها التراب والنسيان تشتهر ولاية باتنة بعدد من المناطق الأثرية التي تعبر عن حضارة وعراقة المنطقة والكم الهائل من الحضارات التي مرت من هناك، ومن بين المناطق المعروفة بالولاية نجد مدينة «طبنة الأثرية» التي أصبحت تعاني من الإهمال نتيجة لعدة أسباب ساهمت في اندثار المدينة الأثرية وذهاب معالمها. تقع مدينة طبنة على بعد 4 كم جنوب شرق مدينة بريكة، حيث تعاقبت عليها الكثير من الحضارات بدءا من القرن الثاني ميلادي ،عندما كانت عبارة عن منشأة عسكرية رومانية تم تشييدها بهدف حماية المستعمرات الرومانية بشمال إفريقيا من غزو قبائل الصحراء، وكانت حينئذ تسمى «توبوني» قبل أن تتحول إلى اسمها الحالي «طبنة» مع بداية الفتح الاسلامي لشمال إفريقيا، وحسبما تشير إليه الكتب والمصادر التاريخية فإن تعاقب مختلف الحضارات عليها جعلها تعرف تطورا كبيرا في مختلف المجالات الاقتصادية منها والاجتماعية وكذا الثقافية وغيرها من ميادين الحياة ،وكانت العديد من الدراسات قد فصلت في هذا الجانب وكشفت العديد من الحقائق حول تطور المجتمع هناك مع مرور القرون، إلا أن الإهمال بات السمة الوحيدة التي تعيش عليها هذه المنطقة في الوقت الحاضر و كذا الخراب الذي طال جزء كبيرا منها ،مما جعلها تندثر مع مرور الوقت حسب تأكيد عدد من المهتمين بالتاريخ والآثار بالمنطقة. مدينة مدفونة تحت الأرض وما ظهر منها يتم بيعه وسرقته تم تصنيف طبنة سنة 1950 على أنها موقع أثري على غرار 19 منطقة أخرى على مستوى ولاية باتنة ،حسبما تشير إليه الجريدة الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 13 جانفي 1968، وهي في ذات المستوى الذي بلغته مدينة تيمقاد، منطقة إيمدغاسن، تازولت وغيرها من الأماكن التاريخية والأثرية المنتشرة عبر إقليم الولاية، لكن الإهمال الذي طال هذه المنطقة بالتحديد ،جعلها تتوارى عن الأنظار وأصبحت وعاء عقاريا يتم فيه تشييد مختلف المشاريع رغم ما يشكله ذلك من ضرر على الهوية التاريخية للمنطقة، أين كان الكثير من المواطنين يجدون مختلف الأواني والحجارة والتحف الأثرية بتلك المنطقة وأغلبها يكون مكسورا وعبارة عن أجزاء يصعب تركيبها، كما تنتشر العظام البشرية والهياكل العظمية بالمنطقة وهي تعود إلى العصور القديمة عندما كانت عبارة عن مقابر ،على حد قول بعض المواطنين، وحسبما وقفنا عليه فإن معظم ما يتم إيجاده من آثار هناك يتم بيعه بطرق سرية خفية بأثمان يتم الاتفاق عليها، كما يعمد بعض سكان المدينة إلى أخذ تلك الآثار لتزيين محيط منازلهم بها وهو ما يظهر جليا في واجهات سكنات المواطنين بالمدينة وبعض المرافق الخدماتية التابعة للخواص ،على غرار المقاهي وغيرها، وكان مجموعة من الشباب قد بادروا إلى حملات للتوعية وناشدوا المصالح المعنية للتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دون جدوى، وكانت مختلف المحاولات عبارة عن حملات في مواقع التواصل الاجتماعي ولم تتجسد على أرض الواقع ،عدا يوم دراسي كان قد نُظم على مستوى الملحقة الجامعية قبل نحو عامين تطرق فيه المشاركون إلى تاريخ المدينة الأثرية وواقعها الحاضر دون تجسيد الحلول لحمايتها. وفي هذا السياق ، تحدث معنا أحد الناشطين في مجال حماية الآثار والدفاع عن المواقع الأثرية بالمنطقة ، موضحا بأن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع من إهمال ،هو غياب إرادة سياسية محلية للنهوض بالموقع، كما أضاف في سياق حديثه معنا ،بأن تأثير المجتمع المدني بالبلدية بات ضعيفا وغير مجد، مؤكدا بأن الأصوات الداعية إلى ترميم الموقع الأثري وحمايته من الإهمال تراجعت في الآونة الأخيرة لانعدام تجاوب إيجابي من طرف السلطات المحلية. مصالح البلدية توقف مشروعا لبناء السكنات بسبب الآثار وفي السياق ذاته، فإن مصالح بلدية بريكة كانت قد باشرت عددا من المشاريع على مستوى المنطقة المصنفة على أنها أثرية قبل أن تتوقف تلك المشاريع في آخر لحظة، أين برمجت مشاريع للسكن كان من المفترض أن يتم إنجازها على مستوى الطريق المؤدي نحو بلدية أمدوكال ،وتحديدا بمحاذاة الملحقة الجامعية قبل أن تتلقى المصالح المعنية إشعارا بضرورة وقف المشاريع لما تحتويه المنطقة من آثار رومانية قديمة، وكان نائب رئيس البلدية قد أكد في اتصال مع النصر، بأن المنطقة المصنفة من طرف مديرية الثقافة لن تطالها مشاريع التنمية وقد تمت دراسة الحدود الجغرافية لتلك المدينة التاريخية، غير أنه لم يُبرز على من تقع مسؤولية ترميمها وحمايتها من الاندثار، خاصة وأن معظم الآثار تظهر مباشرة بعد حرث الأرض، مثلما وقفنا عليه مع أحد الفلاحين ممن يملكون قطعة أرض هناك، وأغلب ما يتم العثور عليه عبارة عن قطع معدنية تعود إلى حقبة تواجد الرومان بالمنطقة. مديرية الثقافة سطرت برنامجا لحماية المنطقة لم يكتمل بعد كشفت مصادر مسؤولة على مستوى مديرية الثقافة بباتنة بأنه تم إعداد برنامج لحماية المنطقة وترميمها ،خاصة بعد أن تم تصنيفها كمنطقة أثرية رفقة 19 موقعا آخر تتوفر عليها ولاية باتنة، وحسب المصادر ذاتها، فإن مخطط الحماية كان عبارة عن دراسة من أجل ترميم الموقع وحمايته لتوجيهه للسياحة، كما أكدت المصادر ذاتها بأن المرحلة الأولى من الدراسة تم إنجازها في انتظار استكمال ما تبقى من مرحلة ثانية، غير أن التأخر الحاصل في هذه العملية جعل من المنطقة عرضة للإهمال و الاندثار في ظل التوسع العمراني الذي تعرفه مدينة بريكة، إضافة إلى نشاط العصابات المختصة في بيع الآثار على مستوى المنطقة وتجارة القطع الأثرية التي تعرف رواجا كبيرا هناك، كما أكدت مصادرنا في معرض حديثها، بأن المركز الوطني للبحث الأثري قد باشر برنامج حفريات من أجل حماية المواقع الأثرية، غير أن هذا البرنامج لن يكتمل سوى بتظافر الجهود والتنسيق مع مصالح البلدية ومختلف الهيئات المختصة التابعة للدولة.