أمريكا عدلته 26 مرة و فرنسا غيرته 15 مرة و العرب جاؤوا بعد كل انقلاب بدستور يتجلى من خلال المقارنة بين تجارب العديد من دول العالم في تعديل و تغيير دساتيرها المكتوبة تناقض في السلوك بين دولتين ديمقراطيتين كبيرتين هما الولاياتالمتحدةالأمريكية و فرنسا، فقد حافظت الأولى على دستورها الأصلي و اكتفت بإدخال التعديلات عليه خلال مئتي عام، بينما غيرت فرنسا دستورها 15 مرة في نفس الفترة الزمنية، و مع ذلك فكلا النظامين يتصفان بالديمقراطية و لهما مزايا و عيوب بحسب المتخصصين في القانون الدستوري. بينما كانت تجارب تغيير الدستور في الدول العربية التي عرفت الوثيقة الأساسية متأخرة نسبيا مرتبطة بالتغييرات العنيفة و خاصة منها الانقلابات ، لكنها لجأت كثيرا لتعديلات متكررة. الولاياتالمتحدةالأمريكية حافظت على دستورها الذي أقرّه مؤتمرها الدستوري في 17 سبتمبر 1787 وجرى تبنّيه في عام 1789 وأدخِلَت عليه ستة وعشرين تعديلاً. كما تُعد الأرجنتين ضمن الدول التي حافظت على دستورها الأصلي واكتفت بإيقاف العمل به أو إدخال تعديلات عليه، في ظل التطورات التي شهدها تاريخها منذ صدور دستورها الجديد في عام 1949. بينما تعتبر فرنسا نموذجاً فريداً يجسِّد الحالتين السابقتين معاً، حيث شهدت منذ قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 وعلى امتداد نحو مئتي عام الماضية أكثر من خمسة عشر (15) دستوراً دائماً، كان آخرُها دستور عام 1958 الذي أسس الجمهورية الخامسة، كما عرفت خلال الحقبة ذاتها عدداً من الدساتير المؤقتة والتعديلات الدستورية كان أحدثُها التعديل الدستوري الذي جرى عام 1962 (بطلب من الرئيس شارل دوغول)، وأصبح بموجبه يتم انتخاب رئيس الجمهورية بأسلوب الاقتراع العام المباشر، ولمدة سبع سنوات قابلة للتجديد. بالمقابل قامت الغالبية الساحقة من دول العالم إما باستبدال دساتيرها القائمة بدساتير أخرى جديدة بواسطة النظام السياسي القائم ذاته، استجابة للتطورات السياسية والاجتماعية التي تعرّضت لها واستوجبت البحث عن شرعية دستورية بديلة. وإما بإلغاء دساتيرها القائمة واستبدالها بدساتير جديدة في ضوء تحوّلات وتبدّلات سياسية اتسمت بالعنف كالثورات والانقلابات العسكرية، واستوجبت البحث عن شرعية دستورية جديدة وبديلة. في العالم العربي كانت عمليات تغيير و تعديل الدستور متباينة بين دولة و اخرى و من ظرف لآخر. في المغرب بعد منح فرنسا للمملكة المغربية استقلالها في 22 مارس 1956 وافق الملك محمد الخامس على إنشاء جمعية وطنية في عام 1957 غير أن ذلك لم يصل إلى الملكية الدستورية و بعد وفاة الملك محمد الخامس في عام 1961 استحدَث خليفته الملك الحسن الثاني في 7 ديسمبر 1962 دستوراً للبلاد، وعلى الرغم من أن الدستور حاول أن يُضفي على الملكية صِبغة الدستورية - حيث نصَّ على وجود مجلسين تشريعيين - إلاَّ أنه ركَّز كافة السلطات في يد الملك و في عام 1970 عرفت المملكة المغربية دستوراً جديداً. وإثر المحاولتين الانقلابيتين اللتين شهدتهما المملكة عامي 1970 و 1972 وضَعَ الملك الحسن الثاني دستوراً جديداً في أول شهر مارس من عام 1972 كما تم تعديل هذا الدستور الأخير في عام 1980 ثم جرى الاستفتاء على تعديل آخر قبل عام. أما تونس وهي التي تُعرَف بأنها أول بلدٍ عربي أعلن دستوراً في عام 1865 يمنح نوّاب الشعب حق المشارَكة في الحكم، وحتى حق خلع الباي، فقد استَحدثَت دستوراً جديداً لها بعد حصولها على استقلالها من فرنسا في عام 1956 وبعد قيام المجلس القومي التأسيسي بإلغاء النظام الملكي فيها عام 1957 تمَّ وضع دستور جديد في عام 1959 كرَّس شكل الحكم الجمهوري الرئاسي وقد شهدت الأعوام 1973 و 1975 إدخال تعديلات على دستور 1959. كما اقتضت حركة التغيير التي شهدتها تونس في شهر نوفمبر من عام 1987 باستيلاء بن علي على الحكم و خلعه الحبيب بورقيبة إدخال تعديل على بعض مواد دستور 1959، و بعد الثورة على بن علي تقوم السلطة الحالية المنبثقة عن ثورة الياسمين بإعداد دستور جديد للبلاد لم يخرج للعلن بشكل رسمي و نهائي طيلة عامين. مصر التي عرفت أول دستور لها في عام 1923 (في ظل الاحتلال البريطاني) قامت في عام 1930 بإسقاطه عندما وقع انقلاب دستوري برئاسة اسماعيل صدقي وجرى وضع دستور آخر و في عام 1936 أجبر النضال الشعبي الملك فؤاد على إعادة العمل بدستور 1923 و عاشت مصر طوال عهد ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر سنة 1952 بسلسلة متصلة من الدساتير المؤقتة أولها الدستور المؤقت الصادر في سنة 1953 ثم دستور جمهورية مصر المعلَن في سنة 1956 ثم دستور الوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة) في 5 مارس 1958 ثم الإعلان الدستوري في 27 سبتمبر 1962 ثم الدستور المؤقت في 25 مارس 1964 الذي نصَّ على أن يُتِّمَ مجلس الأمة – الذي يبدأ عمله في 26 مارس 1964 - مهمة وضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، فضلاً عن عدد من الإعلانات الدستورية. و في 11 سبتمبر من عام 1971 صدر الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية. وقد شهدت السنوات التالية ادخالَ عددٍ من التعديلات عليه. و بعد الثورة على نظام حسني مبارك واجهت مصر مشاكل كبيرة في صياغة و اعلان دستورها الديمقراطي الجديد و لا يزال الجدل بشأن الوثيقة قائما حتى الآن. و كان الوضع في سوريا مختلفا فقد عرفت البلاد دستوراً جديداً لها في عام 1950 جرى في ظله انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. وفي عام 1953 جرى وضع دستور جديد في ظل الانقلاب الذي قام به أديب الشيشكلي اتسم بالتضييق على الحرّيات. وفي عام 1954 وقع انقلاب جديد أطاح بالشيشكلي وأعاد العمل بدستور 1950 إلى غاية فيفري 1958عندما أصبحت سوريا جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة بدستورها المؤقت الذي جرى إعلانه في 8 مارس 1958. في ديسمبر 1961م. وبعد عدد من الانقلابات العسكرية عرفت سوريا دستوراً انتقالياً جديداً. وفي 13 مارس 1973 وضعت دمشق دستوراً جديداً ما يزال العمل جارياً به، وقد تعرّض للتعديل عدّة مرّات كان أحدثها في 10 جوان 2000 بخصوص السن القانونية لرئيس الجمهورية. وعَرَفَ العراق مسارا مشابها لسوريا و كان أول دستور له في تاريخه الحديث في عام 1925. و بعد وقوع ثورة 14 جويلية 1958 جرى إلغاء العمل بالدستور وفي عام 1968 صدر دستور مؤقت، وفي عام 1970صدر دستور جديد و بعد سقوط نظام صدام حسين وضع العراق دستورا آخر لبلادهم. أما تركيا فقد عرفت أول دستور لها في عام 1876 إلاَّ أن السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الإمبراطورية العثمانية ألغى ذلك الدستور. وفي عام 1908 جرى استحداث دستور جديد. و لما تم إعلان الجمهورية في 29 اكتوبر 1923 تم الاقتراع على إلغاء الخلافة في العام الموالي ، وجرى استحداث دستور جديد. وفي 27 ماي عام 1960 وقع انقلاب عسكري بقيادة جمال غورسيل وتم انتخاب جمعية وطنية تأسيسية قامت بوضع دستور جديد عُرِضَ على الإستفتاء الشعبي، وتمت الموافقة عليه في 9 جويلية 1961 وفي سبتمبر 1971 تمَّ إدخال تعديل على الدستور استهدف تقوية السلطات التنفيذية. وفي 7 نوفمبر من عام 1982 تمَّ طرح دستور جديد، وتمت الموافقة عليه في استفتاء عام.