اتهامات متبادلة بين البلديات ومديرية الشباب تحولت عشرات نوادي الشباب التي استفادت منها بلديات قسنطينة على مدى السنوات الماضية ، إلى هياكل مهملة و شبه مهجورة بسبب نقائص التسيير و غياب مؤطرين مختصين ، رغم أن هذه المشاريع استهلكت مبالغ مالية هامة من ميزانيات البلديات ، دون أن تحقق المطلوب أي جلب وترفيه شباب الولاية الذين لا تزال الشوارع ملجأهم الوحيد في ظل نقص مرافق التسلية . تحقيق: ياسمين بوالجدري لقد حظيت قسنطينة بمشاريع لنوادي شباب أنجزت ، طيلة الأعوام الماضية ، بالعديد من قرى بلدياتها، لكن الملاحظ بأن جُلّ هذه المرافق لم تعد سوى هياكل مهملة ، وقفنا على الوضع المتدهور الذي آلت إليه بعدة مناطق، حيث يظهر للعيان أنها تآكلت ولم تخضع للترميم أو التهيئة منذ فترة طويلة ، إلى درجة أن لون الجدران و الأرضيات مال إلى السواد ، اضافة إلى انتشار كثيف للقاذورات بسبب انعدام النظافة أو بشكل لا يذكر . كما أن الإهمال طال التجهيزات القليلة المتواجدة بداخلها ، حيث أتلفت و اهترأت بسبب قدمها و عدم إخضاعها للصيانة .. أجهزة التلفزيونات القديمة لم تعد مُجدية إلا للهو بألعاب الفيديو، أمام عدم الربط بشبكة الانترنت ، رغم امكانية تشغيلها في القيام بالعديد من النشاطات الثقافية. بالمختصر المفيد نكاد نقول أن نوادي الشباب بقسنطينة لم تعد ذات فائدة أو لم تعد تؤد الدور المنوط بها . الكثير منها يظل مهجورا و مغلقا لساعات طويلة و لا يستغل إلا للعب "الدومينو" و "البيلياردو" و أحيانا للهو بألعاب "الأتاري". مداخل هذه الهياكل التي أصبحت " بلا روح " تحولت إلى مكان للتجمع والمؤانسة وتبادل أطراف الحديث بين الشباب و حتى الشيوخ و الأطفال ، و قد أبدى العديد من الشباب الذين تحدثنا إليهم بقرى بلديتي ابن زياد و مسعود بوجريو، استياءهم الكبير من هذا الوضع الذي يرونه غير مقبول، حيث استغربوا صرف مبالغ طائلة على منشآت كان يفترض أن تكون فضاءات لممارسة مختلف النشاطات الثقافية ، و التقليص من ساعات الفراغ التي يقضيها البطالون في الشوارع ، مطالبين بضرورة تعامل البلديات و مديرية الشباب و الرياضة بجدية أكبر في تسيير هذه المرافق الشبانية " المهملة". هياكل تتحول إلى أكشاك تبغ و أخرى تسير بالمتطوّعين و الجمعيات فشلت الكثير من البلديات في تسيير نوادي و دور الشباب المنتشرة عبر قراها، لتصبح هذه المرافق عرضة لحالة إهمال كبيرة سمحت بتحوّل بعضها إلى "أكشاك" لبيع التبغ و الحلويات ، و هو سلوك يبرره الشباب بمحاولة استغلال النوادي " فيما هو مفيد " بما أنها لا تشهد نشاطات ثقافية أو رياضية تذكر، كما يلاحظ أن عددا من هذه الهياكل يعرف مشاكل عديدة كالانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، لعجز البلديات عن تسديد أعباء الاستهلاك لمصالح سونلغاز . توظيف البلديات للجامعيين بنوادي الشباب ( في إطار عقود ما قبل التشغيل ) لم يحجب نقائص التسيير الملاحظة لنقص الخبرة أو انعدام تخصص هؤلاء الشباب و عدم خضوعهم للتكوين المطلوب في قطاع الشباب و الرياضة ، و هو وضع دفع بالبلديات للجوء إلى الجمعيات الثقافية .. لاحظنا أيضا أن الكثير من مواطني الأحياء و خصوصا بالقرى، تطوعوا من أجل تأطير النوادي و إنقاذها من الإهمال و التخريب بتنظيم النشاطات و أوقات الفتح و الغلق . مسيرو نوادي الشباب أكدوا لنا بأنهم يجدون صعوبة كبيرة في عملهم ، بسبب ضعف الامكانيات و تداخل الصلاحيات بين البلديات و مديرية الشباب و الرياضة ، خصوصا و أن النوادي غير مُدرجة في الرزنامة القانونية للمديرية المذكورة، رغم أنها و من الناحية التطبيقية ، الجهة الوحيدة القادرة على التسيير، و هو فراغ قانوني يقول محدثونا أنه السبب الرئيسي في الوضع و التدهور و الكارثي الذي آلت إليه هذه المرافق . النوادي الشبانية استهلكت أزيد من ملياري سنتيم لا تتعدى مساحة نادي الشباب 500 متر مربع، و هي مساحة يتراوح معدل تكلفتها بين 600 مليون سنتيم و 800 مليون تقتطع من البرامج البلدية للتنمية أو من الميزانيات السنوية ، و بعملية حسابية بسيطة نجد أن تكلفة النوادي الأربعة الواقعة بالولاية لا تقل عن 2.4 مليار سنتيم ، تُضاف إليها تكاليف تسديد مستحقات استهلاك الكهرباء و الغاز و الماء . تشكل التجهيزات و الحواسيب و بعض الألعاب ، جزءا من الأعباء المالية التي تقع على عاتق البلديات ، زيادة على العتاد كالكراسي و الطاولات و ما تكلفه الأنشطة إن وجدت بتوفير الجوائز و غيرها ، و ذلك زيادة على نفقات الصيانة و الطلاء و عمليات التهيئة ، التي لم تتمكن الكثير من البلديات الفقيرة من تحملها، و هو ما كان وراء قطع سونلغاز للتيار الكهربائي عن بعض النوادي من أجل الضغط على الأميار لتسديد الديون المترتبة عليها، على غرار ما حدث مؤخرا بنادي الشباب لقرية فارالله الواقعة ببلدية ابن زياد . نقص الأمن بنوادي الشباب أدى أيضا إلى تحفظ الأميار على استعمال جميع التجهيزات ، بحيث تم تخزين بعضها لتجنب تعرضها للسرقة و التخريب، خصوصا و أن هذه الهياكل تفتقر لأعوان أمن و عادة ما يتم تجنيد عمال البلديات أو يتطوع السكان لحراستها لكن في الفترة الصباحية ، لتبقى ليلا عُرضة للسرقات ، و هو ما يتطلب الاستعانة بثلاثة حراس على الأقل. " الاختلالات في توزيع إطارات الشباب خلفت عجزا في التسيير" لمعرفة سبب النقص الكبير في عدد المسيرين لنوادي الشباب بقرى الولاية ، تحدثنا إلى السيد محيمدات رشيد المدير بالنيابة للمعهد الوطني لتكوين إطارات الشباب "كرابس" بقسنطينة الذي أكد لنا بأن وزارة الشباب و الرياضة هي من تحدد سنويا نوعية التكوين و عدد المناصب المتوفرة و كذلك مكان المناصب البيداغوجية التي يُوجّه خريجو المعهد إليها ، حيث تخرجت هذا العام مثلا دفعة مكونة من 85 إطارا خضعوا لتكوين مدته 3 سنوات ، كما يدرس في السنة الثانية 70 متربصا مُقسّمون بالتساوي بين تخصصي الشباب و الرياضة ، في حين ينتظر أن تفتح هذا الموسم مسابقة لقبول 100 متربص يشترط فيهم مستوى الثالثة ثانوي، مع احتمال فتح مسابقة بالعدد ذاته لاحقا . و اعترف المتحدث بوجود خلل في توزيع الشباب المكّونين على دور الشباب بالبلديات ، بالرغم من أن 50 بالمائة من خريجي المعهد يوظفون بولاية قسنطينة لوحدها، و هو ما كان سببا في المطالب المتكررة الموجهة للوزارة الوصية بإعادة النظر في طريقة التوزيع و رفع حصة قسنطينة.. رد الوزارة يكون في كل مرة : " الولاية تعرف تشبعا مقارنة بولايات مجاورة مثل الطارف و جيجل و سوق اهراس " .. ذات المسؤول دعا إلى وجوب إعداد دراسة عميقة لتسيير الموارد البشرية و توزيع المناصب وفق احتياجات كل بلدية ، ليتم على ضوئها تحديد عدد المناصب المطلوبة . "الأميار" يطالبون بمؤطرين و لا يمانعون في التنازل عن النوادي يعترف عدد من رؤساء البلديات بالإهمال الذين طال الكثير من نوادي الشباب التي تعود ملكيتها إلى مصالحهم ، لكنهم يحمّلون المسؤولية في ذلك للجهات المكونة لإطارات الشباب، بحيث تسبب نقص مؤطرين مختصين في ضعف التسيير، و لا يمانع الأميار في التنازل عن نوادي الشباب لفائدة مديرية الشباب و الرياضة إذا كان ذلك سيساهم في رفع حالة الجمود التي تعيشها هذه المنشآت منذ عدة سنوات .. و في هذا الخصوص اعترف السيد بوذراع السبتي رئيس بلدية مسعود بوجريو بأن إمكانيات البلدية محدودة كما أنها تفتقر لكفاءات مختصة تسمح لها بتسيير النوادي بالشكل المطلوب ، و هو ما كان سببا في طلب تدخل المديرية المذكورة من أجل تسييرها ، مع تكفل مصالحه بالتجهيزات و تسديد مختلف النفقات، مضيفا بأنه لا يمانع أيضا في التنازل عن هذه الهياكل لفائدة المديرية. نقص النظافة و الحراسة يشكلان الهاجس الأول للبلديات حسبه . أحد الأميار ذكر بأن النادي الواحد يتطلب 7 موظفين بين مسيرين و منظفين و حراس، و هو أمر " ليس من السهل" تحقيقه أمام محدودية الإمكانيات المتوفرة لدى البلديات . من جهة أخرى قال بوبرطخ فؤاد رئيس بلدية ابن زياد ، بأنه قد تم تقديم طلب لمديرية الشباب و الرياضة للتكفل بنوادي الشباب لكنها رفضت ذلك و هو مقترح كان قبوله ليجنب البلدية أعباء أخرى ، و يرى "المير" بأنه يتوجب وضع قانون داخلي خاص بهذه المنشآت مع تكوين الإطارات لتأطير الشباب ، مضيفا بأن الفضل يعود للجمعيات الثقافية و المتطوعين و بعض العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل، في استمرار النشاطات. مديرية الشباب تحمل مسؤولية التدهور الحاصل للبلديات السيد علمي محمد مدير مؤسسات تسيير الشباب بمديرية الشباب و الرياضة ، قال بأن ولاية قسنطينة تتوفر على 30 هيكلا شبانيا و رياضيا بين دار شباب و بيت شباب و كذلك مركز ثقافي و مركز تسلية علمية ومركب جواري، و هي كلها منشآت انخرط فيها حوالي 48 ألف شاب ، و اعتبر المتحدث أن دور الشباب بالمنصورة و بومرزوق و فيلالي و كذلك عين اعبيد و عين اسمارة تعد من أهم الهياكل التي تعرف نشاطا متميزا مقارنة بالباقي، حيث تتكفل مديرية الشباب و الرياضة بالتأطير بينما يقع على عاتق البلديات الأعباء المالية المتعلقة بالصيانة و تسديد نفقات استهلاك المياه و الكهرباء ، و اتهم المتحدث مصالح البلدية ببعض هذه المرافق، بعدم لعب دورها المطلوب على غرار نادي الشباب ببونوارة الذي سبق و أن تعرضت للتخريب . مدير مؤسسات تسيير الشباب يرى بأنه يتوجب على البلديات تحمل مسؤولياتها، كون مديرية الشباب و الرياضة ملزمة فقط بتأطير و تسيير المنشآت التي تتبعها قانونيا و هو ما لا ينطبق على حالة النوادي و كان سببا في طلب مصالحه إجراء المجالس البلدية مداولات من أجل التنازل عن هذه المنشآت لفائدة مديرية الشباب و الرياضة لتتمكن هذه الأخيرة من التسيير دون ثغرات قانونية ، لكن هذا المطلب قوبل( حسب محدثنا ) بالرفض ، مضيفا بأن العديد من نوادي الشباب غير مؤطرة بسبب نقص التكوين، و هو ما دفع بالبلديات للجوء إلى الجمعيات أو إلى أشخاص غير مختصين يفتقد بعضهم إلى المستوى المطلوب.