ما يزال مشهد العنف سيد الموقف في ليبيا بالرغم من الجهود الدولية المتواصلة لوضع حد له وإيجاد حل سياسي للأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات. فقد تعرض مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة الليبية طرابلس لقصف جوي أجبر السلطات على توقيف الرحلات به وتحويلها إلى مطار مصراتة بعدما كان المطار الوحيد في العاصمة الليبية الذي يؤمن رحلات للمسافرين عقب عمليات التخريب التي تعرض لها مطار طرابلس الدولي جراء المعارك المسلحة التي كان مسرحا لها في شهر يوليو الماضي. وقد أعلن رئيس الوزراء الليبي المنتخب عبد الله الثني في بيان له اول امس الثلاثاء عن مسؤولية القوات الجوية التابعة لحكومته عن تلك الضربات التي استهدفت المطار الذي تسيطر عليه الحكومة المنافسة. وقالت حكومة الثني أن القصف الذي قام به السلاح الجوي الليبي لمطار معيتيقة هو ضربة استباقية لمجموعات ما يسمى "فجر ليبيا" (المجموعة المسلحة التي تساند الحكومة المنافسة التي تسيطر على طرابلس). وبين هذا وذاك لا تزال مدينة بنغازي هي الأخرى تشهد أعمال عنف تشمل الاشتباكات المسلحة والاغتيالات والتصفيات الجسدية حيث لقي جنديان من قوات الجيش الليبي مصرعهما أمس الأربعاء وأصيب خمسة آخرون جراء المعارك الدائرة بالمدينة مع مليشيات مسلحة كما تعرض فرع "مصرف الوحدة" بإدارة النهر الصناعي بمنطقة الهواري ببنغازي (شرق) لاقتحام مسلح وسرقة خزينته وبها قرابة مليون دينار ليبي. كما أخفقت الهدنة الانسانية التي تم التوصل إليها بين الأممالمتحدة وأطراف الصراع في بنغازي لمدة 12 ساعة حيث لم تتمك جمعية الهلال الأحمر الليبية من دخول مواقع القتال بسبب تواصل المعارك. وفي نفس السياق تتواصل الاشتباكات بمدينة ككلا جنوب غرب طرابلس بين قوات الجيش الليبي "القبائل والزنتان" وميليشيات عملية "فجر ليبيا" مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وتسيطر قوات "فجر ليبيا" المؤلفة من مسلحي مدينة مصراتة (شرق طرابلس) ومسلحي مدن الغرب على العاصمة منذ طرد مسلحي الزنتان منها بعد معارك عنيفة استمرت أكثر من 45 يوما خلفت 250 قتيلا وأكثر من ألف جريح. ومنذ مطلع أكتوبر الماضي تدور اشتباكات عنيفة بين قوات "فجر ليبيا" ومسلحي الزنتان وجيش القبائل للسيطرة على مدن وبلدات في الغرب والجبل. وبالمقابل تشهد مدينة أوباري الليبية اشتباكات عنيفة بين الحين والآخر بين قبيلتي الطوراق والتبو بعد خرق عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار. ومن المقرر ان يعقد مشايخ الطوراق اجتماعا في مدينة غات في غضون أيام حول الأحداث في مدينة أوباري حسب مصدر أمني محلي. وتأتي الاشتباكات في أعقاب هدنة واتفاق تمت بين الطرفين قبل أكثر من أسبوع بوساطة من مشائخ القبائل ووجهاء الجنوب بمدينة سبها تقضي بوقف اطلاق النار بين القبيلتين وتشكيل قوة من مدينة غات للفصل بين الطرفين إلى أن يتم الاتفاق النهائي على المصالحة بين الطرفين بعيدا عن أي تدخلات خارجية بين قبائل الجنوب. -- قلق كبير من تصاعد العنف في ليبيا وإجماع على ضرورة حل الأزمة سياسيا-- أعربت الأممالمتحدة وعدد من الدول عن قلقها إزاء المنحى الخطير الذي تتخذه أعمال العنف في ليبيا رغم الدعوات المتكررة لتغليب الطرق السلمية لإيجاد حل سياسي للأزمة المتواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات. فقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن "قلقه البالغ" إزاء أحداث العنف التي تصاعدت مؤخرا في ليبيا داعيا جميع الأطراف إلى "وضع حد لهذه الهجمات والحيلولة دون حدوث مزيد من التصعيد" مذكرا إياها ب"التزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه حماية المدنيين والتزامها بحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني". وجدد التأكيد عن قناعته بأن "السبيل الوحيد لحل الأزمة الراهنة يأتي من خلال الحوار وعن ثقته الكاملة في ممثله الخاص برناردينو ليون وفي جهوده لتسهيل الحوار بين الليبيين لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد والعودة إلى عملية سياسية شاملة" داعيا الليبيين إلى "إلزام أنفسهم مجددا بأهداف الثورة واتخاذ القرارات الشجاعة اللازمة لتجنب دولتهم وشعبهم مزيدا من الصراع والمعاناة وخاصة من خلال التحدث إلى بعضهم البعض في مناخ يسوده الاحترام المتبادل والشمولية". وبدوره أدان مجلس الأمن الدولى بشدة تصاعد العنف في ليبيا وحث الأطراف المعنية على أن تبذل جهودا بناءة من أجل استعادة العملية السياسية الشاملة وذلك لمعالجة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه البلاد مؤكدا "فشل الحل العسكري للأزمة الراهنة". وفي هذا الصدد أكدت سفيرة الولاياتالمتحدةبالجزائر جوان بولاشيك أمس الأربعاء بالجزائر العاصمة أن الحكومة الأمريكية "تثمن كثيرا" و تدعم جهود الجزائر الرامية إلى الوصول إلى حل سياسي وسلمي للأزمة الليبية مؤكدة أن "الحل العسكري مستبعد" في حل هذه الأزمة. وأشارت الدبلوماسية الأمريكية إلى وجود تشاورات "دائمة" بين بلدها و الجزائر حول هذه المسألة ورحبت ب"التعاون الوثيق بين الجزائر ومنظمة الأممالمتحدة قصد الوصول إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا" مذكرة بالتزام بلدها بإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا التي تشهد وضعية لاإستقرار خطيرة منذ سقوط النظام السابق وقالت "من الواضح أن " حل الأزمة الليبية لن يكون عسكريا". وبخصوص تعامل الولاياتالمتحدة الأمريكية مع الأزمة الليبية يرى مركز مشروع الأمن الأمريكي أنه يتعين على وزير الدفاع الجديد الذي سيخلف تشاك هيجل - الذي استقال من منصبه مؤخرا- أن يتعاون مع وزارة الخارجية والأطراف الإقليمية لإقناع الأطراف المتصارعة في ليبيا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات وبدء بحث المستقبل السياسي للبلاد خاصة وأن حل الأزمة الليبية هو سياسي وليس عسكريا خاصة أن الأزمة الليبية ما زالت تمثل مصدر تهديد للعديد من دول المنطقة. ومن جهته، أكد الوزير البريطاني المكلف بالشرق الأوسط و شمال إفريقيا توبياس إيلوود امس الأربعاء بالجزائر العاصمة أن بلاده و الجزائر تدعمان "الحل السياسي" للازمة في ليبيا. وتبقى ليبيا تتخبط في دوامة العنف منذ سقوط نظام معمر القذافي السابق في 2011 في انتظار تعقل أطراف النزاع وقبول حل الخلافات القائمة بالطرق الأكثر سلمية.