بعض الجزائريين الذين عانوا من العنصرية في أوروبا، يمارسون ذلك السلوك الخطير ضد الصينيين والأفارقة على وجه الخصوص، فالأمر الذي ظل خارج دائرة التناول والتفكير طويلا، تنامى في السنين الأخيرة بشكل ملفت ومؤسف، فهل تحول إلى ظاهرة، وهل تحول بعض الجزائريين إلى عنصريين حقيقيين؟ منذ حوالي عشر سنوات، أنجز الزميل الصحفي فوزي سعد الله روبورتاجا بعنوان غريب في شكل سؤال:''هل تقبل أن تزوج ابنتك لكحلوش؟''، وكانت الإجابة صاعقة أن الكثير من الجزائريين لا يقبلون بتزويج بناتهم وقريباتهم لأي زنجي، لا لسبب إلا لكونه زنجيا، وهي العنصرية عينها التي نراها في أوروبا، فما زالت حادثة مقتل المصرية مروى الشربيني بتلك الطريقة البشعة على يد عنصري ألماني تتداعى إلى الآن، ويوصف بعض الأوروبيين بالعنصريين، وبالمقابل تنامت مشاعر الكراهية والعنصرية للأجانب عندنا دون أن يثار هذا الموضوع، فقد ظهرت هذه المشاعر مؤخرا ضد الأفارقة على وجه الخصوص، مع مناسبة تنظيم المهرجان الثقافي الأخير، عندما تم تحميل الكثير من الغلابى الأفارقة المتسكعين في شوارع العاصمة والمدن الجزائرية الشمالية الأخرى مشاكل الفقر وكل المشاكل الأخرى في الجزائر، وهم الذين لا علاقة لهم بالمهرجان، ولا همّ لهم إلا البحث عن لقمة عيش كريمة، لا لسبب إلا لكون السلطات الرسمية استضافت الكثير من الفرق الفنية الإفريقية مدة أسبوعين في إطار ''المهرجان الثقافي الإفريقي'' بميزانية وصلت إلى 800 مليار سنتيم· موجة جديدة يؤكد عبد الله· ه وهو إطار من إحدى الدول الإفريقية، يعمل في الجزائر منذ نهاية ,1999 ويقيم في حي الأبيار الراقي في الجزائر العاصمة، أنه طيلة مدة إقامته السابقة كانت علاقته أكثر من جيدة مع سكان الحي وشبابه، ولم يكن يخشى على نفسه وهو يعود إلى البيت أحيانا في ساعة متأخرة من الليل، لكن الأمر اختلف في المدة الأخيرة، أصبح يسمع من بعض التجمعات الشبابية هناك في الليل عبارات عنصرية، تؤكد على أصله الإفريقي ولكن بمصطلحات مهينة· ويؤكد زميله أنه نجا بأعجوبة من اعتداء بزجاجة رماها عليه مجهول، عند إحدى العمارات القريبة من قرية الفنانين التي خرج منها بعد منتصف الليل، حيث كان يسير رفقة صديقه وتفاجأ بزجاجة فارغة تسقط غير بعيد عن رأسه· ووصلت العنصرية ضد الأفارقة مداها بهذه المناسبة عندما يعلق أحد القراء في موقع الجريدة الإلكتروني، واصفا ضمنيا الأفارقة بالكلاب، قائلا بالحرف: ''غلابى بلادي تبيت على الضمى··· ولحم الضأن يرمى الى الكلاب''· رفضه زوجا لابنته لأنه صيني! لم تكن مناسبة ''المهرجان الثقافي الإفريقي'' الذي احتضنته الجزائر في المدة الأخيرة، إلا مناسبة للكشف عن أحد أوجهنا خطورة، وهو وجه العنصرية التي عانى منها بعضنا كثيرا في أوروبا على وجه الخصوص، ونرفض الاعتراف بذلك المرض عندما يتعلق الأمر بنا، وقبل الأفارقة، كان الصينيون ولا يزالون أكبر ضحايا العنصرية في الجزائر التي يمارسها ضدهم أطفال وأشخاص عاديون، فلا تكاد تجد صينيا من المقيمين في الجزائر بقصد العمل يتنقل لوحده خوفا من أي اعتداء عنصري، وحتى وهم يتنقلون جماعات فهم معرضون لأبشع أنواع السخرية العنصرية، فزيادة على عبارات ''علي بابا'' التي اعتاد الأطفال ترديدها بشكل استفزازي أمام الأشخاص الصينيين العابرين، فهم معرضون لسماع كلمات تدل على القطط والفئران في إشارة إلى أن الصينيين يأكلون تلك المخلوقات، ويشيعون بأنهم المتسببون في ندرة الحمير التي تباع لهم من أجل تناولها في طعامهم، ويعمد الكثير من الأشخاص إلى ترديد مثل هذه العبارات بشكل استفزازي يصل إلى درجة العنصرية، لكن العمّال الصينيين الذين تعودوا على ذلك يمرّون دون أن يبدوا أي تأثر بتلك العبارات ويواصلون عملهم بشكل عادٍ جدا· ووصل الأمر بأحد الصينيين الذي أُغرم بجزائرية وبادلته نفس المشاعر أنه طلبها للزواج وتقدم لأبيها رسميا، لكن الأب رفضه أولا بحجة أنه لم يعلن إسلامه أمام الملأ، وعندما ذهب الصيني إلى المسجد وأعلن إسلامه بشكل واضح لا لبس فيه وأمام الإمام وجموع المصلين بأنه مسلم، وتقدم من جديد إلى والد الفتاة، تفاجأ من جديد بالرفض المطلق، وهذه المرة أعلن له السبب بصراحة، كونه صيني ولا يمكن لذلك الشخص أن يقبل بتزويج ابنته لصيني· جذور العنصرية لم تكن العنصرية تجاه الصينيين والأفارقة، وليدة التحولات التي عرفتها البلاد في السنين الأخيرة بل هي قديمة، ومما يذكر في هذا الصدد أن أحد الزنوج الجزائريين، أراد في زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر الزواج من أوروبية وكان مقربا من تيار الشيوخ المتدينين الجزائريين، وعندما استنصح في الأمر، نصحه بعض المشايخ بأن أمر الزواج من أوروبية في ظل الأوضاع الخاصة التي تعرفها البلاد غير مقبول، بل أن بعض الشيوخ أفتى بتحريم ذلك حفاظا على الشخصية الوطنية الجزائرية، وعندما طلب ذلك الزنجي من الشيوخ قبوله زوجا لإحدى بناتهم، لم يُرد أي شيخ من أولئك قبوله زوجا لابنته· الخير شوار الدكتور عمار يزلي ل ''الجزائر نيوز'': الصراع على المصلحة هو مبرر ومحرك السلوك العنصري يرى الباحث في النقد السوسيولوجي، الدكتور عمار يزلي، أن السلوك العنصري يتجلى إلى درجة الوثوب في حال الأزمات الاقتصادية، معتبرا المساس بالمصلحة الاقتصادية هو الذي يفجر التمييز العنصري الذي تختلف مظاهره، بعضها يندرج في خانة المسكوت عنه، في هذا اللقاء ينفض عمار يزلي الغبار عن هذه الظاهرة الموحشة· من منظور سوسيولوجي كيف تقاربون بعض السلوكات الاجتماعية ذات التوجه العنصري المعادي التي ينتجها الفرد في علاقته مع الأجنبي بالدرجة الأولى وكيف يمكن تفسيرها؟ في كل مجتمع هناك صراع على الهويات، هناك هويات مركزية وأخرى جماعية، الأساس في السلوك البشري دائما هو الهوية الفردية فيما يسمى ب '' الأنانية الفردية''، ومفادها أن يعتبر الانسان نفسه مركز العالم، على صعيد آخر هناك ما يصطلح عليه ب ''الإنيات الاجتماعية''، وتتمظهر في الأسرة والقبيلة، والمدينة وتبنى على العديد من العلاقات كالجيرة والزمالة والتعامل التجاري، وبالتالي كل ما يخرج عن دائرة المحيط الإجتماعي يعتبر وفق المنظور السابق أجنبيا أي ''براني''، وهو الدخيل على الفضاء الاجتماعي الصغير، من هنا يمكن فهم أو تفهم كل هذا التفكير العنصري الذي ينتج بالضرورة سلوكات عنصرية، إذا هي موجودة لكن بالمفهوم الإنساني، لذلك يرى كل من يمارس هذا السلوك العنصري أن الأجنبي جاء ليسلب من ابن البلد حقوقه وخيراته· لنتحدث على مستوى المجتمع الجزائري تحديدا، في السنوات الأخيرة وبعد موجة الجنس الأصفر الموجودة في الجزائر للعمل في المشاريع الكبرى، تعمقت هذه النظرة أكثر، ما رأيك وما آفاق هذا التفكير؟ أكثر الجزائريين يرددون مثلا شائعا وشهيرا قد يلخص نظرتهم هذه التي تتحدث عنها وهو ''خبز الدار ياكلو البراني''، من هنا ينظر ابن البلد إلى تواجد الأجنبي داخل فضائه كسالب لخيراته وحقوقه، على مستوى آخر، وبالتحديد داخل المجتمع الواحد، يحدث السلوك العنصري بين ابن المدينة والنازح إليها من الأرياف، ويمكن تعميم هذه الظاهرة على كافة المجتمعات، إذا مبرر ومحرك السلوك العنصري هو الصراع على المصلحة بالدرجة الأولى، حتى وإن كان لذلك علاقة بالعرق أو باللون، فالصراع يبدأ وينتهي عند المصلحة من أجل البقاء· هل يمكن إسقاط ما تقول على نظرة كثير من الجزائريين للأفارقة خلال المهرجان الثقافي الإفريقي الأخير؟ طبعا، الناس تقول هؤلاء الأفارقة جاءوا إلى الجزائر وصرفت من أجلهم 800 مليار سنتيم، هذه الفكرة التي يمكن أن تنتج سلوكات عنصرية سببها فكر مصلحي، أي الناس كانوا يفضلون وبشكل طبيعي أن تكون المبالغ التي صرفت من نصيبهم وليس على الأجنبي كائنا من كان، إذن نحن أمام عنصرية ''مصلحية''· هل يمكن أن نصف هذه العنصرية ب ''المسالمة'' وهل يمكن أن تقدم إضاءة وافية عن مختلف مظاهر العنصرية المنتشرة في المجتمع الجزائري سيما تلك التي لا يلتفت إليها أحد؟ ما سبق وأن ذكرناه من ممارسات عنصرية لم يتخذ طابع العنف في مجمله، ولكن يجب أن نعترف بصراحة بأن العنصرية موجودة فينا وهذا ليس حكرا على الجزائريين بل الظاهرة كونية، الصراع مثلا بين القبائلي والعربي هو سلوك عنصري، هناك الصراع بين ما يسمى ب ''الشرفة''و ''العرفة''، وهو ما يطلق عليه في الجنوب ''الشريف'' و''الحرطاني'' وكذلك ظاهرة العبيد، في الجزائر هناك صراع خفي بين السود والبيض خاصة في علاقة الزواج، كأن نقيض الأبيض هو الأسود، وبالتالي هذا النقيض يورث رفضا ما وهو السلوك العنصري، كأن كل فرد هنا مرتاح للون الذي ينتمي إليه، وهذا النوع من الميز العنصري مسكوت عنه، يتقدم السلوك العنصري ويتجلى إلى درجة الوثوب في حال الأزمات الاقتصادية، المساس بالمصلحة الاقتصادية هو الذي يفجر التمييز العنصري، ودعني أذكّر برؤية اليمين الفرنسي للجزائريين المقيمين بفرنسا عندما يقول ''نحن لا نكره هؤلاء، نحبهم ولكن في بلدانهم''·