أخيرا، ظهر إلى الوجود ميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية بعد طول انتظار دام قرابة عام بأكمله استجابة لضرورية حتمية فرضها تدني المستوى الأخلاقي بالجامعة الجزائرية التي يفترض بها أن تشكل منبعا للعلم والأخلاق لإنقاذ المشهد الجامعي من استفحال ظاهرة العنف لتدفع أرواح الأساتذة والطلبة ثمنا لذلك. وإن تعدد تأويل الانزلاق الأخلاقي بالجامعة وكثرت أسباب ذلك، فإن تكريس عامل احترام الطرف الآخر ومناقشة أفكاره الذي جاء في الميثاق، حيث جاء خطاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي تزامنا مع صدور الصيغة النهائية لميثاق أخلاقيات الجامعة على الشكل الذي هو عليه على النحو التالي: ''ارتضت الأسرة الجامعية بمختلف مكوناتها أن تعتمد ما يضمن الميثاق من أسس ومبادئ وأن تعتمدها طوعيا وتعمل على تجسيدها ميدانيا بما يجعل من الجامعة فضاء للارتقاء بالممارسات الحسنة والسلوكات الحميدة، وأن بلورة الميثاق نتيجة إجماع واسع للأسرة الجامعية''. وإذا كان تصريح الوزير يأتي على نحو يؤكد فيه إشراك جميع الفاعلين في الجامعة في إنجاز الميثاق ووضعه على طاولة النقاش والتحاور، فإن المعنيين بالأمر على غرار ممثلي شريحة الطلبة ممثلة في التنظيمات الطلابية والأساتذة يقرون عكس ذلك، وحجتهم في ذلك جهلهم للبنود الأساسية وحتى للصيغة النهائية لميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية. وإن اعتبر البعض أن تهميش هذه الفئات وعدم أخذ رأيها بعين الاعتبار قبل طبع الميثاق في الشكل الذي هو عليه يدرج في خانة سوء التقدير وعدم احترام الطرف الآخر الذي اعتبر شريكا في إنجاز المشروع الأخلاقي بالتبني، فإن المبادئ الأساسية للميثاق جاءت لتمجد وتركز على التعامل وفق مبدأ الاحترام، والدليل على ما ورد في نص المبدأ الرابع المركز على التعامل بهذا المبدأ بصرف النظر عن المستوى الهرمي لكل واحد منهم، بل أكثر من ذلك يلزم الإداريين والتقنيين على إبداء استعداداهم لمجاملة كل الأشخاص الذين يتفاعلون معهم ليؤكد بعدها الوزير اعتماد الأطراف، الطوعي، لميثاق لم يطلوا سوى على المسودة الأولية المتعلقة به· وبالرغم من أن الميثاق الجامعي يعد أداة مرجعية، مما يعني وجوب الاحتكام إليها نظرا لشموليتها وفصلها في كل القضايا المطروحة في الحياة الجامعية، غير أن هذا الطرح مغيب تماما، لأن الميثاق الملخص في ست صفحات مترجمة من اللغة العربية إلى الفرنسية يفتقر إلى الفصل في العديد من المسائل التي تشهدها الجامعة اليوم. ففي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن التحرش الجنسي ومساومة الطالبات والابتزاز وتزوير الشهادات وتعريض حياة الأستاذ للخطر من أجل نقطة في وحدة قياس معينة يكتفي الميثاق بسرد قائمة من الصفات الأخلاقية التي يمكن وصفها بالمثالية تسمح في العموم، إذا ما تبث التحلي بها وتكريسها ميدانيا، إلى تجسيد مدينة أفلاطون الفاضلة، وليكون بذلك أقرب لجل الجامعة مركزا لإعادة التربية وتقويم السلوك الإنساني دون الأخذ بعين الاعتبار المحيط الاجتماعي. ويأتي الميثاق في المقام الأول تجسيدا لأحكام القانون التوجيهي للتعليم العالي إثراء للجهاز الضابط في المؤسسات الجامعية وفقا لما جادت به قريحة الوزير، ما الجديد فيه إذا كان الغرض منه إيجاد سبل إصلاح فعلي لحال الجامعة الجزائرية!