استطاعت المخرجة صونيا، بالاعتماد على النص المسرحي الذي اقتبسه خالد بوعلي وتصميم الكوريغرافيا لسليمان حابس وسينوغرافيا عبد الرحمن زعبوبي، إعطاء مقاربة جديدة لنص ''أمام أسوار المدينة'' للكاتب الألماني تنكراد دوست· رغم أن المسرحية ''أمام أسوار المدينة'' سبق وأن عرضت في المكان نفسه، وكانت من بين المسرحيات الفائزة في مهرجان المسرح المحترف، وتم عرضه في أماكن مختلفة عشرين مرة، إلا أن جمهور المسرح الوطني رأى فيه عناصر جديدة، إلى درجة أن البعض اعتبره قراءة جيدة ومتطورة عن القراءة الأولى للنص المسرحي الأصلي لكاتبه الألماني ''طنكراد دوست''، والشيء الجديد هو النظرة السينوغرافية الأكثر عمقا التي واصلها بنجاح كبير الفنان عبد الرحمن زعبوبي، مما أعطى الكوريغرافي سليمان حابس مجالا أوسع للرقص التعبيري، الذي أعطى لمسة جديدة لهذه المسرحية· إنها قصة امرأة لا حول لها ولا قوة، قررت أن تتحدى السور الذي يفصلها عن زوجها الذي أخذه منها الامبراطور بالقوة من أجل تجنيده في حروب لا تعنيه، وهو السور الذي تم الاشتغال عليه سينوغرافيا بشكل فني مبهر، حيث تطورت خشبة العرض من خلاله، وأصبح العرض يتم أفقيا وعموديا بشكل يكاد يكون غير مسبوق بهذه الصورة· وتمكنت هذه الرؤية الإخراجية والسينوغرافية من إعادة استنطاق النص المسرحي الأصلي بشكل جديد، وقد تمكن الكاتب الجزائري، خالد بوعلي، من اقتباسه بشكل فني وأعطاه اللمسة المحلية اللازمة بشهادة الكثير ممن تابعوا العرض· إنه صراع الحرية ضد الدكتاتورية، وصراع الحق ضد الباطل الذي وضع تلك الأسوار والأسيجة الدوغمائية والإسمنتية، لكن إرادة الحرية تقول بأن الأسوار لم توضع إلا من أجل النضال ضده حتى تسقط في النهاية، على عكس نظرة أباطرة الحروب الذين يرون في الأسوار بمختلف أشكالها وأنواعها أهم الوسائل لعزل الشعوب حتى لا تتكتل، ومن هنا تمكن اللعبة التي أجادتها المخرجة صونيا بنجاح كبير بالارتكاز على الإبداع في الرقص التعبيري والإبداعي السينوغرافي، الذي جاء سندا للنص المسرحي الأصلي، وأغناه· ولئن سقط جدار برلين، معلنا عصرا جديدا في أوربا، فإن جدران وأسوار أخرى أقيمت بعد سقوط هذا الجدار قبل أكثر من عشرين سنة، وهذه المسرحية الجميلة هي مقاربة جمالية أخرى ضد الأسوار والجدران بمختلف أنواعها· 3 أسئلة إلى عبد الرحمن زعبوبي، (سينوغرافي): الفراغ في حد ذاته خيار جمالي اشتغلت في مسرحية ''أمام أسوار المدينة'' على ''الخشبة العمودية'' التي يجري عليها العرض، بالإضافة إلى الخشبة الكلاسيكية، كيف جاءت الفكرة التي لم تكن أصلا في النص الأصلي؟ أولا، أشكركم على السؤال، ثم أشكر السيدة صونيا على الاختيار الموفق للنص، وبعد نقاش وأخذ ورد، توصلنا إلى فكرة من بين الأفكار المطروحة مفادها اللجوء إلى الخشبة العمودية، فبعض أجزاء العرض تلعب أفقيا، وبعض الأجزاء الأخرى تلعب عموديا· شاهدنا بعض المسرحيات العالمية في إطار هذا المهرجان، تعتمد على البساطة المطلقة في السينوغرافيا، إلى درجة تكاد تكون غير موجودة، على عكس المسرح الجزائري، فأنتم تركزون كثيرا على هذا الجانب؟ أنا من الناس الذين يقولون إن اختيار الفضاء الفارغ هو في حد ذاته خيار سينوغرافي، فنحن لم نلجأ إلى هذا الاختيار السينوغرافي عن فراغ، لقد جاء هذا بعد تفكير معمّق، والحمد لله فقد كانت لي خبرة في هذا الأمر، عندما اشتغلت قبل سنوات على مسرحية ''غبرة الفهامة'' لمسرح كاتب ياسين، عندما لجأ إلى فضاء يشبه هذا الفضاء، وفي كل مرة نضيف لمسة جديدة إلى أن جاءت هذه الفكرة· أصبحنا مع كل مهرجان للمسرح، نلحظ الاشتغال أكثر على السينوغرافيا، لقد كنت وحدك تقريبا، وأصبح هناك الكثير من الأسماء في هذا الشأن، كيف ترى تجارب زملائك السينوغرافيين؟ والله، إن أكثر زملائي من تلاميذي، وهذا يشرفني، ففي المهرجان الماضي، فالذي أخذ جائزة أحسن سينوغرافيا هو حمزة جاب الله وكان طالبا معي، وهنا يمكن أن أقول ربما قد يفوق الطالب على أستاذه، وأنا سعيد جدا بهذا النجاح·