توافد مئات الآلاف من المصريين، أمس الجمعة، إلى ''ميدان التحرير'' استكمالاً لمشوار تحقيق أهداف ثورة ''25 يناير'' وهي الجمعة التي كان من المقرر أن تكون مخصصة للضغط على ''المجلس العسكري'' الحاكم من أجل إقالة حكومة رئيس الوزراء المصري - المستقل - أحمد شفيق· إلا أن هذا الأخير سابق الزمن بتقديم استقالته أمس الأول (الخميس) وهي الاستقالة التي قبلها المجلس الحاكم فوراً وتكليف الدكتور عصام شرف الذي اقترحه ''ائتلاف شباب الثورة'' الثلاثاء الماضي لتولي المنصب· وتميزت ''مليونية'' أمس بكونها احتفالية بتحقيق أحد المطالب الأكثر شيوعا التي ظل يرافع لها ''الثوار'' والتي حملها ممثلوهم نحو ''المجلس العسكري'' الأسبوع الماضي، ثم تم تحميلها كمطلب لا يقبل التفاوض للدكتور محمد البرادعي (الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية - ورئيس جمعية التغيير) الذي التقى المجلس رفقة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الثلاثاء لمناقشة المستجدات التي طرأت على الساحة السياسية المصرية، سيما بعد أن أعلن الأخير رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية· وفي الوقت الذي دعا فيه أكثر من طرف مشارك في الثورة إلى إلغاء ''التظاهرة المليونية''بعد تحقق معظم المطالب التي رفعتها ''ثورة 25 يناير'' إلا أن الائتلاف رأى بضرورة إقامتها بصفة احتفائية، بجانب ''تجديد'' بعض المطالب المتعلقة بحل جهاز ''أمن الدولة'' أو إعادة تشكيله بطريقة مختلفة، فضلاً عن مطالبة الائتلاف رئيس الوزراء المكلف بأداء اليمين الدستوري في الميدان كنوع من الالتزام بمطالب الثورة التي شارك فيها منذ بدايتها وساهم في ضم قطاع نوعي إليها، عندما نجح في إقناع هيئة تدريس جامعة القاهرة بالانضمام للثوار في الميدان بتاريخ العاشر من فيفري الماضي· واستجاب الدكتور عصام شرف لهذا المطلب بمشاركته أمس في فعاليات ''تظاهرة استكمال المشوار المليونية''، بحيث ألقى كلمة أكد خلالها على شرعية ميدان التحرير، حين بدأ كلمته بالقول: ''صحيح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قام بتكليفي بتشكيل الوزارة، ولكنني هنا لأنني أستمد شرعيتي من هنا·· منكم·· من ميدان التحرير وثورة 25 يناير التي انتظمت في كل شوارع ومدن مصر''· واستهل شرف كلمته بتحية الشهداء وأرواح الشهداء ولكل من ساهم في هذه الثورة، وتحية لعائلات الشهداء وعائلات المصابين، وطالب الحاضرين بالوقوف دقيقة حداداً على أرواح الشهداء· وأشاد ''شرف'' بالروح الموجودة في ميدان التحرير، حين قال: ''لقد تم تكليفي بمهمة تحتاج إلى عزم ولا يوجد مكان أستمد منه الإرادة والعزم مثل ميدان التحرير''· مؤكدا ''أن أولوياته تتمثل في تحقيق مطالب الشعب''، وأضاف: ''الوقت الذي لن أستطيع فيه تحقيق مطالبكم، لن أكون هناك (يعني الوزارة)، ولكن سأكون معكم هنا في ميدان التحرير''· وهنا هتف الحاضرون ''الشعب يريد إسقاط أمن الدولة''، ورددوها كثيرا، فرد عليهم عصام شرف بقوله: ''أمن المواطن وحريته هما الأهم بالنسبة لي''، ثم هتف ''ارفع رأسك فوق أنت مصري''، فردد الحاضرون وراءه الهتاف· قبل أن يضيف: ''بادعي ربنا أن أشوف مصر بلد حرة، الرأي فيها خارج الزنازين، وأشوف أمن المواطن وهو على القمة، وأجهزة الأمن خادمة فقط، لكنني أستمد شرعيتي وأهدافي منكم أنتم''· وختم عصام شرف كلمته بالقول: ''الله سبحانه وتعالى أكرمني وأتمنى أن أستحق ما أنا فيه''، وأضاف: ''علينا أن نبدأ في إعادة بناء مصر''· ووجد تكليف عصام شرف ترحيبا كبيرا من مختلف طوائف المجتمع وتياراته السياسية، سيما وأن له مواقف معروفة تجاه النظام السابق الذي استقال منه بعد خلاف مع رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف· خطيب الميدان: تنازلوا قليلا من أجل مصر من جهته، أطلق الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم، الذي أمّ المحتشدين بميدان التحرير في صلاة الجمعة، وصلاة العصر جمع تقديم، حملة ''صامدون من أجل مصر'' التي دعت كل من يستطيع أن يتخلى عن جزء من راتبه لصالح حماية الاقتصاد المصري، وطالبت الحكومة الجديدة بتوزيع استمارات تحدد القيمة التي يمكن الاستغناء عنها· ودعا خطيب الجمعة رجال الأعمال إلى الإقبال على شراء سندات وأسهم في البورصة المصرية، لدعم الاقتصاد المصري، وكذلك تعليق الاعتصام المفتوح لأجل غير مسمى حتى تدور عجلة الإنتاج ونهضة الاقتصاد القومي، معربا عن التزام الثورة بحماية أمن مصر ونهر النيل بكل السبل الممكنة، بما يحافظ على مستقبل المصريين من أي تهديدات· وثمن الشيخ مظهر شاهين دور الجيش المصري في ثورة 25 يناير والذي لولاه ما كانت لتنجح، مطالبا الجيش بتحديد جدول زمني لتحقيق بقية مطالب الثوار المتمثلة في حل جهاز أمن الدولة، وإقالة جميع المحافظين الذين تم تعيينهم خلال النظام السابق، وحل الحزب الوطني بكافة رموزه والذي أفسد الحياة العامة، والإفراج الفوري عن المعتقلين خلال الثورة العظيمة· ودعا المشاركون في ''جمعة استكمال المشوار'' إلى استقلال القضاء المصري واستقلال الأزهر الشريف الذي يجب عودته إلى سابق عهده، مؤكدين في الوقت نفسه الوقوف يدا واحدة مع البابا شنودة في حماية الكنائس، واستشهدوا بقول المسيح ''مبارك شعب مصر''· وأكدوا تضامن كافة فئات الشعب المصري مع الإخوة في ليبيا، مطالبين إياهم بالصمود في سبيل الحق حتى يتم تحقيق مطالبهم· أوبرا وينفري في ميدان التحرير من جهة أخرى، أفادت صحيفة ''الأهرام'' المصرية، أن مقدمة البرامج الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري ستقدم حلقة مباشرة من ميدان التحرير بوسط القاهرة الذي شكل قلب التحركات الاحتجاجية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك· وقالت الصحيفة ''قبلت مقدمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري دعوة وزارة السياحة لزيارة القاهرة في إطار حملة تنشيط السياحة التي تراجعت في مصر بعد ثورة 25 يناير''، وأضافت ''من المقرر أن تقدم وينفري حلقة مباشرة من ميدان التحرير خلال شهر مارس، حيث أنه لم يتم الاتفاق على الموعد المحدد حتى الآن''· ونقلت الصحيفة عن وزير السياحة في حكومة تسيير الأعمال منير فخري عبد النور أن أوبرا ''وافقت دون تردد على الدعوة والفكرة وإنها قالت أنها كانت تريد أن يتناول برنامجها الثورة وأن تتحاور مع شباب مصر الذي قام بهذا الإنجاز العظيم''· لعنة ''الفيسبوك'' لا تزال تلاحق نظام مبارك في الوقت الذي أصبح فيه متعارفا بين المصريين أن موقع التواصل الاجتماعي ''فيسبوك'' هو الأداة التي كان لها الدور المباشر في قيام ''ثورة 25 يناير'' التي أطاحت بنظام مبارك بعد ثلاثين عاما من الحكم، حيث أن الدعوة الأولى ''للتظاهر'' انطلقت من صفحة ''كلنا خالد سعيد'' بالموقع ذاته· ها هو ذات الموقع يصنع الحدث مرة أخرى في تحقيق أهم ''الأهداف المتبقية'' للثورة، حيث أن قبول استقالة /أو إقالة شفيق، لم تأت إلا عبر هذا الموقع، حيث حرص المجلس العسكري الذي يمتلك حسابا في هذا الموقع الإلكتروني، أن يعلن الاستقالة عبره عوض وسائل الإعلام الثقيلة المملوكة للدولة، هذه الأخيرة التي تناولت الخبر نقلا عن ''الفيسبوك''، وهو ما دفع بالثوار إلى القول أن ''لعنة الفيسبوك'' كلعنة ''الفراعنة'' لا تزال تلاحق ''نظام الفرعون السابق'' في إشارة إلى نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك· ليصبح بذلك الدكتور أحمد شفيق أول رئيس وزراء في العالم يقال عبر ''الفيسبوك''، وهو الأمر الذي كان بمثابة دعامة أخرى لشباب الثورة الذين ظل الإعلام الرسمي المصري يعاير ثورتهم ب ''ثورة الفيسبوك'' في محاولة للتقليل من شأنها· واعتبروا لجوء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى هذا الموقع للإعلان عن تحقيق هدفهم الأبرز بأنه ''انتصار آخر'' لشباب 25 يناير عبر أدواتهم المفضلة·