في 3 أكتوبر ,1995 اغتيل زميلي وصديقي صاحب العمود الشهير يومها الممضى باسم بوجمعة، كنت يومها في سيدي بلعباس، بعد منع جريدة الحدث التي كنت أرأس تحريرها، وعودتي إلى جريدة الخبر كمحلل سياسي ومراسلها بمحض إرادتي من مسقط رأسي·· لم تكن الخسارة، خسارة فقط لعائلته، وللجريدة التي كان أحد مؤسسيها، بل كان خسارة للصحافة الحرة بأكملها·· اليوم تعود ذكراه في زمن آخر، يشهد غليانا عربيا بشكل جذري، مرتبك وحقيقي، وتساءلت بيني وبين نفسي، لو كان عمر بيننا، ما الذي كان سيفكر فيه ويكتبه، دون شك سيقف إلى جانب المطالبين بالحرية والتغيير، لكن في نفسي يظل محتفظا بنظرته النقدية المزدوجة وهذه هي فضيلته الكبرى·· إن عمر أورتيلان، وهو الخريج من معهد الأدب العربي، والمتمرس بالسياسة عبر ممارساته اليومية في مجال الكتابة الصحفية والنقدية، أدرك ومنذ اللحظة الأولى أن الانحياز المسبق والمشين يعمل على قتل الحس النقدي ويفتح بذلك المجال واسعا لطغيان الإيديولوجيا والأفكار المنمطة والأحكام الجاهزة، ومن هنا كان تميزه في تلك الفترة العصيبة، إنه في نقده للإسلاميين المتشددين حافظ على استقلاليته في الوقت نفسه تجاه الحكم آنذاك·· ومن هنا لم يغض الطرف عن تجاوزات السلطة آنذاك بقدر ما كان نقديا بصورة جذرية ضد القتلة ومنتجي الخرافة والضغينة والشعوذة·· ومن هنا أقول أن أعظم تكريم لعمر أورتيلان، لا يمكن فقط أن يقتصر على منح جائزة باسمه كل سنة، بل أن يتجلى ذلك في أن تتجذر الجريدة التي دفع من أجلها أورتيلان حياته، ''وهل هناك أغلى من الحياة؟!'' في اتجاه الحداثة الخلاقة والعقلانية، والصمود أمام إغراءات المد السلفوي الشعبوي الذي يلهث وراء ربح المزيد من القراء ولو على حساب المبادىء التي تأسست الجريدة عليها·· فإن استسلمت الخبر لمثل هذه الإغراءات المضللة، فذلك يعني سقوط كل تلك التضحيات من أجل خلق قارىء يمتلك حسا نقديا ونظرة نيرة·· إن الركض وراء المجد المزيف بأي ثمن قد لا يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى انتحار حر ومجاني··