زارت ''الجزائر نيوز'' عددا من المداشر والبلديات المنكوبة في ولاية المدية، وهي المناطق الأكثر تضررا، حيث لم يجد سكانها أي شيء للبقاء على قيد الحياة بعدما استسلموا أمام قوة الثلوج المتساقطة التي وصلت إلى 120 متر في بعض المناطق· الزيارة كانت بدايتها من فرقة الباصور المتواجدة بين البليدة ووزرة ودار الطفولة المسعفة، الساعة كانت تشير إلى الثانية عشر زوالا ونحن نسير نحوها، التقينا في طريقنا بكل من عمر وسليمان، وهما شابان من المنطقة، كانا يحملان على أكتافهما قارورتي الغاز، تبادلنا أطراف الحديث وكشفنا عن هويتنا وسألناهما عن أحوال الباصور وسكانها، فكان الرد سريعا من عمر الذي قال ''كلنا منكوب، لا توجد عائلة في بيتها غاز، نحن فاقدون للكهرباء منذ يومين، وها نحن نتجه للطريق الوطني رقم 1 لتوقيف إحدى الشاحنات الحاملة لغاز البوتان لشراء ما يمكن شرائه، وأقول لكم إننا في حيرة من أمرنا، فهذه القارورة ستكون للتدفئة والطهي وحتى للجيران الذين سيستعملونها كذلك، ولا ندري كيف سنفعل''· أما سليمان فقال ''بالنسبة لي فسأسعى للحفاظ على كمية الغاز قدر الإمكان، كوننا نستعملها في تحضير الحليب للأطفال والتدفئة صعبة جدا، لذا فقد اجتمعت عائلتي التي تضم 12 فردا في غرفة واحدة حتى يفرّج ربي''· تركنا هذين الشابين على حافة الطريق الوطني رقم 1 وهما ينتظران الشاحنة الناقلة للغاز، وانتقلنا نحو دار الطفولة المسعفة التي تعد مدخل ''الجحيم'' كما سماه السكان· بن شيكاو·· لا غاز، لا كهرباء والتدفئة بالحطب والعجلات المطاطية الطريق كان سهلا نحو دار الطفولة المسعفة وبن شيكاو، لأن مصالح الأشغال العمومية وعددا من الخواص وفروا كاسحات الثلوج وعددا من الجرافات، لكن الواقع المر كان في انتظارنا، حيث وجدنا مجموعة من المواطنين وهم ينتظرون الحلم اليومي لهم وهو أن يعودوا بقارورة غاز للمنزل، كما قال لنا أحدهم بعد التحدث معهم ''نحن نعيش في عزلة تامة، لا غاز، لا كهرباء، لا شيء، ولولا استعمالنا الحمير، لما استطعنا المجيء إلى هنا، ننتظر بأمل كبير أن تأتي الشاحنات للعودة لمنازلنا، فلا دقيق ولا غاز ولا ماء وحتى الكهرباء انقطعت، فنحن نسكن بالقرب من ''حوش ماسكوني''، ومنذ يومين لا كهرباء ونريد أن يأتِنا مسؤول ويتفقدنا''، وفي إجابتهم على أسئلتنا التي كانت حول كيفية التدفئة ومن أين يشترون المواد الغذائية وغيرها، ردّ علينا هؤلاء ''التدفئة كما ترون الآن، نحن نجلس في الخارج ونتدفأ بالعجلات المطاطية التي نحرقها والنساء في المنزل على الحطب والمواد الغذائية، فلولا ''العولة'' و''الدقيق'' المتواجد ''لمتنا بالشر''، حسب ما قال لنا الشيخ أحمد· سكان عين عيسى يهجرون القرية عين عيسى أول نقطة في طريقنا لبن شيكاو، وأكد لنا المواطنون الذين كلمناهم في الطريق وعلى مستوى علي بومعزة أن الكل سيهجرها نحو عاصمة الولاية أو البرواقية عند فتح الطريق، كون الخوف انتابهم من عاصفة ثلجية أخرى وفضلوا الانتقال لمناطق أكثر أمنا بالنسبة إليهم، بحيث أضحت قريتهم هذه عبارة عن مقبرة جماعية لا توجد فيها لا حياة ولا غذاء ولا كهرباء ومن بقي فيها في هذه الأيام كمن انتحر، حسب ما أكد لنا سكانها· شاحنات غاز البوتان لم تلبِ مطالب المناطق المعزولة وفي طريقنا نحو ''بوسبسي''، تكلمنا مع أحد المواطنين الذي دلنا على الطريق السهل والأكثر أمنا للوصول لهؤلاء السكان، فبعد أن عرفناه بأنفسنا أكد لنا بأنه يعمل على مستوى وحدة التخزين الخاصة بغاز البوتان المتواجدة على مستوى بلدية ''الزوبيرية'' على بعد 40 كلم عن بن شيكاو، وأكد لنا بأن الوحدة تعمل 24 ساعة في اليوم، غير أنها لم تستطع أن تلبي حاجيات سكان المناطق المتضررة على غرار بن شيكاو وغيرها، وبأن الشاحنات لم تكف مع تزايد طلبات المواطنين، مشيرا على سبيل المثال إلى أنه تم إرسال شاحنتين كبيرتين ليلة البارحة فقط لبن شيكاو، غير أن الأمر لم يغطِ -حسبه- 40 % من متطلبات السكان· طوابير على الدقيق والحليب الملاحظ في هذه الزيارة أن المظاهر ذاتها تتكرر والحديث نفسه على لسان كل المواطنين المتحدث إليهم، بحيث أن العاصفة الثلجية الكبيرة التي عرفتها المدية أثرت كثيرا عليهم وجعلتهم يعيشون في عزلة شبه تامة، ومن بين أكبر الصور التي ترى يوميا برغم الظروف الصعبة من رياح وثلوج التي تعرفها هذه القرى والمناطق على غرار بن شيكاو، وزرة، مستراف والباصور، أين تجد العشرات من السكان سواء أولئك القاطنين داخل القرى أو القادمين من القرى والأرياف النائية، بحيث تجدهم يجرون وراء الشاحنات التي بدأت تأتي لبني شيكاو بعد إعادة فتح الطريق المؤدي إليها، أو في طوابير على المواد الأساسية كالدقيق والحليب الذي أضحى نادرا خلال هذا الأسبوع· مجهودات كبيرة للحماية المدنية وبالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها سكان المناطق هذه، فإنهم أكدوا لنا بأن المصالح المعنية على غرار الحماية المدنية التي وضعت وحدات على كافة الطريق رقم 1 وكذا مصالح الأشغال العمومية للمدية تشرف على عمليات فتح الطريق وتوفيرها لكاسحات الثلوج التي تقوم بعمل دوري على الطريق الوطني رقم 1 لتسهيل التنقل وفك العزلة على المواطنين· وحسب السكان الذين تحدثنا إليهم، فإن مصالح ''نفطال'' تقوم يوميا بتمويلهم بغاز البوتان بالرغم من صعوبة الطريق· غادرنا بن شيكاو على الساعة الثالثة عائدين لعاصمة الولاية تاركين السكان في ظروف صعبة رفقة عائلاتهم آملين أن تتحسن ظروفهم في أقرب وقت·