تحتل السيدات الأولى، أي زوجات الرؤساء أو شريكات حياتهم مكانة مرموقة في بلادهن، هذه قاعدة عامة ولكنها تكتسب قدرا من الخصوصية عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. إليزابيث بلومر فورد زوجة الرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدةالأمريكية، لم تكن تتوقع أن تصبح السيدة الأمريكية الأولى بل كانت تفضل الانسحاب من الأضواء أو اعتزال الحياة السياسية وقضاء المزيد من الوقت مع أولادها وزوجها.. أي أنها تفضّل الحياة العائلية عن الأضواء وافتقاد الزوج والحبيب. ومن هنا كان اختيار زوجها نائبا للرئيس مفاجأة لها ولم تبدأ الاعتياد على مهام الرئاسة والبروتوكول إلا حينما أصبح جيرالد فورد رئيسا بعد استقالة نيكسون في أوت 1974. طفولة سعيدة ولدت إليزابيث آن بلومر الشهيرة ب “بيتي فورد" في شيكاغو وترعرعت في غراند رابيدس بميتشيغان وتخرجت من المدرسة العليا هناك، ودرست الرقص الحديث في كلية بننغتون بفيرمونت، وصارت عضوة في فرقة موسيقى مارسا غراهم فى نيويورك ، وكانت موديل لشركة “جون روبرت" ولصلتها القوية بعائلتها وبلدتها عادت الى غراند رابيدس حيث عملت منسق للموضة بمتجر ملابس ونظمت فرقة رقص وعلمت “البالي" للاطفال. السيدة الأولى وفي عام 1942 تزوجت من ويليام وارن، الذي كان يعمل تاجر أثاث، لمدة خمس سنوات وبعد انفصالها عنه تزوجت جيرالد فورد الذي كان وقتها احد أبطال كرة القدم وخريج جامعة ميتشيغان وكلية الحقوق بجامعة ييل للقانون وذلك في عام 1948. وقد كان زواجه ببيتي فألا خيرا حيث أنه في ذات عام الزواج أصبح فورد عضوا في الكونغرس الأمريكي. وقد ظل هكذا ما يقرب من 25 عاما حتى حالفه الحظ عندما رشحه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون لخلافة نائبه سبيرو اغنيو الذي اضطر لتقديم استقالته إثر فضيحة الرشاوي والتهرب الضريبي اللاتى تعرض لهما في ذلك الوقت ثم جاءت فضيحة ووترغيت لتطيح بنيكسون ذاته ويأتي كرسي الرئاسة على طبق من فضة لفورد. وبالفعل تولى جيرالد الرئاسة في عام 1974 وبدأت بيتي في كسب حب الناس ببساطتها وتلقائيتها وصراحتها، كما حاولت بيتي التخلص من المظاهر الرسمية المتكلفة التي كانت سلفتها “بات نيكسون" معروفة بها بل إنها كانت تبدو دائما سيدة بشوشة الوجه وكانت ابتساماتها تملأ أركان البيت الأبيض فالجميع كان يحبها وعلى رأسهم العاملين الذين كانت بيتي تعاملهم بتواضع شديد. السرطان واستئصال الثدي كان حب الشعب الأمريكي لبيتي فورد فوق الانتماءات الحزبية، وفي 28 سبتمبر 1974، أجرت بيتي عملية استئصال ثدي خطيرة، بعد اكتشاف الأطباء لوجود سرطان في ثديها الأيمن. وفي غضون أيام، تلقت 10 آلاف خطاب، وأكثر من 50 مكالمة هاتفية، وأكثر من 200 برقية، وتم إرسال آلاف من باقات الورود إلى البيت الأبيض، وفي جناحها في مستشفى بيثيسدا للقوات البحرية. وعلى مدى الأشهر التالية، عشرات الآلاف من السيدات الأمريكيات اللواتي ألهمتهن صراحة بيتي وشجاعتها في مواجهة المرض، اندفعن إلى عيادات الأطباء لإجراء فحوصات لاكتشاف ما إذا كن يعانين من سرطان الثدي. وتعد الصراحة من أحد أشهر صفات بيتي فبالرغم من أن عدم حصولها على شهادة جامعية كان يبث فى نفسها شعورا بالنقص وفقدان الثقة في بعض الأحيان إلا أن هذا لم يمنعها من التعبير عن آرائها بصراحة متناهية وبكل شجاعة وخاصة في العديد من القضايا السياسية والقضايا الحساسة مثل: تأييدها لتعديل قانون المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة والسماح بالإجهاض القانوني، وفي الوقت الذى كانت فيه صراحتها مثار إعجاب وإبهار العديد، إلا إنها صراحة أضرت بها وبزوجها حيث أنه في إحدى اللقاءات التليفزيونية عام 1975 تحدثت بتلقائية عن أنها لن تفاجأ إذا اكتشفت أن ابنتها سوزان كانت على علاقة قبل الزواج وبالرغم من أن ذلك الأمر أخذ على محمل الدعابة إلا أن جيرالد لام عليها قولها هذا والغريب فى الأمر أن هذه الدعابة كانت سببا في خسارة جيرالد ما يقرب من مليوني صوت في انتخابات سنة 1976 مما أعطى الفرصة لفوز جيمي كارتر عليه. وساندت زوجها حين خسر انتخابات الرئاسة لعام 1976 أمام المرشح الديمقراطي جيمي كارتر. وعندما مرض سنوات واختفى عن الأعين ولم يظهر في أي مناسبة عامة، وتحملت مهامها كسيدة أولى بفخر ورصانة وهدوء كتحدي هي تعشقه وتميزت بالثقة فى النفس عند مخاطبة العامة والاصدقاء وبعد انتهاء ولاية “فورد" انتقل وزوجته للمعيشة في “رانشو ميراج" بكاليفورنيا في غرب الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد أنجبت “ بيتي" من زوجها فورد ثلاثة أبناء هم مايكل، جاك، وستيفن، وابنة وحيدة هي سوزان، ثم صار لها أحفاد وأبناء أحفاد. واستمرا سويا لما يقرب من 58 سنة حتى وفاة فورد عام 2006 الذي أعلنته هي بنفسها، كما أن المعارك الانتخابية قد نسيت الآن ولم يتبق سوى سيرة بيتي الطيبة التى لا تزال واحدة من أكثر السيدات الأوليات شعبية ومحبة فى التاريخ الحديث وتظل بيتي القطة الشقية باعثة الابتسامة وملهمة الأمل ورمز قوة الإرادة والصراحة المطلقة.