وجهٌ عسيّ أن تقيس على استدارته اكتمال خمسة عشر يوما من عمر القمر، سيزيدُ وسيلتك صدقيةً بشرتُه الضاربة إلى البياض، ذو بدانة من تلك التي انتبذها سيزار لومبروزو عن أوصاف محضييه لتشكّل النقيض والاستثناء، لو اتّفق وقابلت صديقَنا هذا حتما ستستريح كلّ خليّة فيك لأنه ببساطة طيبة تخطو على قدميْن، شعره يليقُ بأن يكون استعارة على نتيجةِ أمر أوتي على عجل، خديج، دوهِم فحَارَ وهو ينبت على يافوخة الرضيع الذي كانه بين أن يكون مجعّدًا أو مرهفًا تراقصه النسائم، بين بين، جبهةٌ لو رُزِقنا أعيُن الرياضيين لوصفناها بواحد من ثلاثة مساحة الوجه، باحة صقيلة لامعة خالية من أيّ جيوب وتغضّنات، تعطي في النهاية الانطباع بأنّ صاحبها ببساطة من الكافرين بالجزع، أو بتفصيل أكثر ذو فريصتيْن مطعّمتيْن ضدّ الارتعاد، بل يكاد لا يعترف بالخوف كطبيعة بشرية. شعرٌ، كما أسلفنا، ينبئُك منظرهُ أنّ الأمر اختلط عليه في آخر لحظة بين أن يكون سلكيًّا وبين أن يقارع الحريرَ ملمسَه، لكنّك بعد فترة ستضطر لأن تعدل عن هذا وأنت تشعر بقدر من الحرج غير قليل حين تدرك أن المسألة كانت جمعا لا أثر للانتخاب فيه، كبُرَ عليْه أن يترك في قلب أحد من أبويْه شيئا من الغيرة مهما ضؤل، ربّما حدس شكل هذا أو تلك وهو يتأمّله أو تتأمّله فيقول أو تقول سرا أو جهرا “إنه نسخة منه / منها، يا لها من ساحرة/ساحر لكأنها/لكأنه عجنته/عجنه بيديها/بيديه، لا شيءَ تركته/تركه لي، لا شيء مني أعجبها/أعجبه" نعم، لم يشأْ أن يختار ملامح أحدهما ليذر الآخر في غصّته، فكان شعره منها ومنه، وأجِدني مضطرا أن أوضح بأن ما أقصده بأبويه ليس بالضرورة الأب والأم اللذين أنجباه بل قد يكون الجد العاشر والده وربما كانت والدته الجدةَ السادسة. ثم، ليس الأمر مقصورا على الشعر دون عداه، لا أبدا، ليس فقط ذلك ما هو بين بين، عفوا ليس ذلك ما كان من هذه ومن ذاك، فتقاسيم الوجه كافة كانت تحتمل بل وتسألك بشيء من الإصرار أن تصفها بما وصفنا به الشعر، الأنف الافريقي الأفطس، العينان الصينيتان اللتان تغدوان شبه مغمضتين كلما ابتسم فطوبى للصينيين إذ يندر أن يطالعك دون أن يكون مبتسما، بل أجدني أقول أنه واحد ممن خلِقوا ليبتسموا، ولا يفعل إلاّ أن يبتسم، يفرح فيبتسم، يعبس فيبتسم، يلوح بيديه للظلمة فيبتسم، يسخر منهم فيبتسم، يكلم الناس ويعانقهم فيبتسم، وهو بهذا من فئة مهدّدة بالانقراض إن لم تسع الشعوب كي تصنع مبتسميها... إذا حدث ونظرتَ إلى وجهه مباشرة عن مقربة فسيذكرك شكل خط تماس شعره وجبهته -إن كنت ضليعا في الجغرافيا طبعا- بما ترسمه في الأفق سلسلة مرتفعات كتلك التي تسمى جويانا، عيناه قد يوحي لك خطاهما المائلان مثلما حدث معي بجناحي نسر افريقي قطع ذات يوم متمردون من أسلافه الأطلنطي ليحطوا على نقطة من جبال فينيسيا الصغيرة فطاب لهم المقام، ألم يكن صائبا لو افترضنا أن مرد تلك الصرخات التي كان يطلقها أينما حل بأنه أخٌ لجميع البشر هو قناعته الباطنية بانحدار أجداده من كل قارات العالم، لقد تفرق دمه على قبائل هاذي الأرض وإن على النقيض من الطريقة القرشية، أسلاف خطوا خطواتهم الأولى في مكان ما من افريقيا من آسيا من أوربا من أمريكا، حدث ذلك في يوم ما، متى؟... سؤال مهم نزهد أن نبحث له عن إجابة الآن... وهو واحد ممن أُغرموا ببلادنا لتاريخها المجيد، لبربرية هذا الشعب الصبور العصي على المضي في الحياة الذليلة، شاهدته يوما يقول في تصوير تلفزيوني “لقد أعجبتني لوحة رأيتها في الجزائر، رجال زرق يمتطون ظهور الإبل، لا يبدو من وجوههم أكثر من الأعين، تلك الأعين التي تقول أنهم بربر يستحيل ترويضهم"... هو هوغو تشافيز، ذلك العسكري البارّ والثائر، محيي أفكار ابن وطنه فنزويلا سيمون بوليفار، أكاد أراه يبتسم بسماحة وهو يقرأ هذه ال “إبن وطنه فنزويلا" ثم أخالني أسمعه يقول لي مُصححا “لا، وطني ليس فنزويلا، صحيح كلانا من فنزويلا، لكنني مثله أؤمن بوطن أوسع اسمه أمريكا اللاتينية"... نم قرير العين أيها البربري، نم قرير العين فبعدك يعز أن نلتقي براع يلثم أيادي رعيته، أستميحك عذرا إذ أقول: لقد أخطأت، فليس الرجال الزرق فقط هم البربر، أكيد أنه لو لم تكن كذلك لما شدّتك تلك الأعين ولما سحرتك على نحو ما فعلت. قيل ويقال وكُتب وسيكتب، بكى الكثيرون، ارتاح من كانوا يخشون ابتسامتك، فك من يعافون الفقراء أزرار معاطفهم الكشمير وراحوا يرتمون في أعماق الأرائك المخملية وهم ينفثون دخان سجائرهم بتلذذ، فيما سيكون مسموحا لمظلومي ومسحوقي العالم أن يشعروا باليتم مثلما لم يفعلوا، لكن لا شيء بوسعه أن ينسي العالم الإحساس برحيل واحد من مجموعة المبتسمين المهددين بالانقراض، هذا إن لم يكن الوقت قد فات، نلتفت في لحظة فإذا بالتهديد ارتقى فصار قضيا مقضيا. العيد بالح