في يوم من الأيام نهضت من الفراش واكتشفت أنني أصبحت صغيرا، صغيرا، فحملت محفظتي وخرجت برفقة أمي وركبت الحافلة، وتوجهت إلى مدرسة عبد اللطيف بابا أحمد، وكان المطر يسقط كثيرا كثيرا، فتشمخت لأن أمي نسيت أن تحمل معها مظلة، وعندما رآني الحارس أمام الباب، صرخ في وجهي بدل أن يصرخ في وجه أمي وعلمت أنه خاف من أمي، فصرخ في وجهي، وعادت أمي إلى الدار دون أن تصرخ في وجه الحارس الذي صرخ في وجهي وشعرت بالخوف وراحت الدموع تسيل مثل المطر كثيرا، كثيرا على وجهي، وسألتني المعلمة من ضربك؟ من ضربك؟ ولكنني لم أقل لها أن الحارس صرخ في وجهي فوضعت يدي على وجهي ثم سكت ولم أقل لها أن الحارس صرخ في وجهي وأن أمي لم تقل شيئا ولم تصرخ في وجه الذي صرخ في وجهي، وكان القسم مملوءا بالدراري، مملوءا جدا، جدا وبدأ الدراري يصرخون ويهرجون وأنا بدأت أفعل مثلهم أصرخ وأهرج وعندئذ تذكرت وجه الذي صرخ في وجهي وبدأت أبكي من جديد.. وتقدمت المعلمة مني وسألتني لماذا أنت تبكي، فسكت من جديد وفتحت محفظتي الثقيلة جدا، جدا بالدفاتر والكتب ثم بدأت أبكي، فسألتني المعلمة لماذا أنت تبكي من جديد، فقلت لها ظهري، ظهري فقالت.. ما له ظهرك، قلت المحفظة ثقيلة، ثقيلة بالحجر، قالت حجر؟ قلت، نعم سيدتي هذه الكتب والدفاتر أثقل من الحجر.. ثم بدأت المعلمة تدرسنا وتتحدث كثيرا عن الحيض والطلاق والعذاب في النار، فرحت أبكي وعندئذ صرخت في وجهي معلمتي تماما مثل ذاك الذي صرخ في وجهي وقالت لماذا أنت تبكي فقلت لها، أنا خائف، أنا خائف يا معلمتي من العذاب في النار، فسكتت المعلمة لكنني أنا لم أسكت والدراري الآخرون كذلك لم يسكتوا ثم قبل أن يرن الجرس اشتعلت النار في القسم وفي الكتب وفي مدرسة بابا عبد اللطيف فخرجنا نجري ونحن نصرخ، لا نحب مدرسة بابا عبد اللطيف... لا نحب مدرسة بابا عبد اللطيف.. وأقول حلمي هذا واستغفر الله لي ولبابا أحمد ع اللطيف.