تذكرت هذه الأيام وأنا أتابع سلوكات بعض الجزائريين بمناسبة الحراك السياسي الذي تعيشه الجزائر بمناسبة ما حصل ويحصل في الانتخابات الرئاسية التي تحولت إلى لعنة حقيقية في الجزائر، يتم تهديد الجزائريين بمناسبة تنظيمها، ف"يخيرون" بين استمرار النظام كما هو، أو الفوضى والتدخل الأجنبي وحتى تفتيت البلد والمس بوحدتها، تذكرت هذه الحكاية التي حكاها أحد ضباط جيش التحرير التابعين للولاية السادسة. الحكاية باختصار تقول إن جيش التحرير لم ينتظر الإعلان الرسمي عن الاستقلال في صيف 1962. بل دخل مدينة بسكرة قبل إعلان نتائج الاستفتاء، لتتوجه قوات جيش التحرير نحو قصر البشاغا "بن قانة" داخل المدينة لتحوله إلى مقر لقيادتها العسكرية بالمنطقة. اكتشف جنود جيش التحرير بمجرد دخولهم إلى القصر وملحقاته من مزارع وبساتين، عشرات من أشباه العبيد حتى لا أقول عبيدا، كانت عائلة البشاغا بن قانة تسخرهم لخدمتها منذ سنوات كعادة متوارثة، شبه إقطاعية في هذه المنطقة من الجنوب الجزائري. قرار ضباط جيش التحرير أمام هذا المنظر كان فوريا وحاسما... يحكي لي ضابط جيش التحرير فقد طلبنا من هؤلاء العبيد أو أشباه العبيد أن يغادروا مكان عبوديتهم وينتشروا في أرض الله الواسعة، لكسب قوت يومهم.. فقد استقلت الجزائر ولم يعد القبول بهذه العلاقات الاجتماعية العبودية واردا. ضباط جيش التحرير تناسوا أن الاستقلال يوفر موضوعيا شروط الحرية لكنه لا يخلقها بالضرورة كممارسة، لأن الحرية لا بد أن تعاش كسلوك يومي فردي وجماعي يتعلم/ يتغير الإنسان وهو يمارسه ويتحول لديه إلى عادة جديدة وسلوك طبيعي لا يقبل بعد ذلك بغيره. مفاجأة كبيرة كانت في انتظار ضباط جيش التحرير في صباح اليوم الثاني وهم يفتحون باب قصر بن قانة القديم ومقر إقامتهم الجديد.... وجود العشرات من العبيد المحررين أمام باب القصر الذين قضوا أمامه ليلتهم. فقد هاموا ليوم كامل على وجوههم في المدينة لكنهم عادوا في المساء إلى المكان الوحيد الذي يعرفونه.... قصر البشاغا بن قانة. خلاصة الحكاية أن هؤلاء العبيد رفضوا مغادرة باب القصر وأصروا على العودة إلى واقعهم القديم كعبيد أو أشباه عبيد وحجتهم في ذلك أنهم لا يعرفون فعل أي شيء آخر، بعد أن تعودوا على العبودية التي تحولت لديهم إلى حالة طبيعية مقبولة وعادية. حكاية العبودية هذه التي حكاها لي ضابط جيش التحرير منذ سنوات فرضت علي نفسها وأنا أعاين سلوكات بعض الجزائريين (حلوة، البعض هذه، تحل الكثير من المشاكل) بمناسبة الحراك السياسي الذي تعيشه الجزائر منذ سنوات. معاينة تكشف أن "بعض" الجزائريين يجدون صعوبات كبيرة في الخروج من عبوديتهم التي تلقنوها داخل المنزل والمدرسة والمسجد والحزب... إلخ وأنهم حتى وإن عبروا عن "تذمرهم" من أوضاعهم وأوضاع البلاد فإن "تذمرهم" هذا لا يتحول إلى فعل وإلى سلوك فردي وجماعي خلاق، يمكن أن ينتجوا من خلاله علاقات جديدة مع ذواتهم ومع الآخرين، مهما كان الآخر هذا، نظام سياسي أو مؤسسة اجتماعية أو حتى علاقة اجتماعية إنسانية، لأنهم لم يتعودوا على الحرية ولم يعيشوها قبل وقد لا يطالبون بها جديا في حقيقة الأمر وهم يعبرون عن تذمرهم اليومي، لهذا تجدهم يفضلون العودة بسرعة إلى... باب قصر بن قانة حتى وإن رفض دخولهم القصر نفسه وتم إخراجهم منه.