كان أحد الخلفاء موهوبا يحفظ الشعر من الاستماع الأول وكان له مملوك يحفظ الشعر من الاستماع الثاني وكانت له جارية تحفظ الشعر من الاستماع الثالث، غير أنه كان شديد البخل لدرجة أنه يحتال على الشعراء في حرمانهم من حقوقهم. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن المواقف الطريفة للأصمعي، ولكن نقدم المعلومات التالية: 1) قبل أن يشرع الشاعر في إلقاء قصيدته يقول له: إذا كانت من نظمك، نعطيك زنة الرقعة المكتوبة فيها ذهبا، وإذا لم تكن من نظمك لا نعطيك شيئا، وكان الخليفة يحفظ القصيدة من الاستماع الأول ولو فيها ألف بيت. ثم ينشدها كاملة ويقول هذا المملوك يحفظها ويكون قد سمعها من الشاعر ومن الخليفة. ثم يقول: الجارية من وراء الستار تحفظها وتكون قد سمعتها من الشاعر ومن الخليفة ومن المملوك وتكون النتيجة أن الشاعر يخرج صفر اليدين. 2) كان الأصمعي من المداومين على حضور مجلس الشعر وقد شعر بالغضب الشديد من هذا الاحتيال الغريب على الشعراء فنظم قصيدة صعبة ونقشها على عمود رخام وجعله على ظهر بعيدر وسار إلى الخليفة وقال: لقد مدحت أمير المؤمنين بقصيدة قال له الخليفة: إذا كانت من نظمك نعطيك زنة الرقعة المكتوبة فيها ذهبا وإذا لم تكن من نظمك لا نعطيك شيئا فقال الأصمعي : أنا أوافق على الشرط. 3) أنشد الأصمعي قصيدة صعبة التركيب والألفاظ نقتطف منها المقاطع التالية: العود دندن دندن والطبل طب طب طب لي والرقص أرطب طب طب والماء شق شق شق لي 4) عندما انتهى الأصمعي من إنشاده بهت الخليفة ولم يحفظ منها شيئا ونظر إلى المملوك فأشار إلى أنه لم يحفظ منها شيئا وفهم من الجارية أنها لم تحفظ منها شيئا هي الأخرى، فقا: يا أخا العرب إنك صادق والقصيدة من نظمك لأني لم أسمعها من قبل هات الرقعة المكتوبة فيها نعطيك زنتها ذهبا. 5) قال الأصمعي: العفو يا سيدي الخليفة لم أجد ورقا أكتب فيه ولكن نقشتها في عمود رخام في الدار من عهد أبي لست في حاجة اليه فأعطاه الخليفة زنة عمود الرخام ذهبا فنفذ مافي الخزانة من مال استوعب الخليفة الدرس وأقلع عن عادة الاحتيال على الشعراء؟