أكد عضو اتحاد الكتاب العرب لسوريا صبحي سعيد قضيماتي في حوار ل''الشعب'' أن الدول العربية بحاجة إلى جهود جبارة وإلى برامج مهمة ونشاطات متتالية وخطط ثقافية وإبداعية وأدبية كثيرة للنهوض بالوضع الثقافي، مشيرا إلى أن طموحهم كبير لتحقيق ذلك، إلا أنهم بحاجة إلى جرأة نقدية واهتمام أكبر بالندوات التي تنظم في مختلف الدول العربية لدورها الكبير في خدمة أحلامهم الثقافية والأدبية، ودعا قضيماتي إلى اعتبار الثقافة هما إنسانيا لتطويرها والنهوض بها.. في البداية نود التعرف على الأستاذ صبحي سعيد قضيماتي؟ ̄ صبحي سعيد قضيماتي عضو في اتحاد الكتاب العرب سوريا، عملت بجريدة ''تشرين السورية'' في مجال الثقافة والمسرح والنقد الأدبي، أسست جمعية ''شآم للطفولة'' والتي تهتم بقضايا الطفل. لديا اهتمامات بالشعر فأنا من عشاق اللغة العربية، كما لديا اهتمامات بالقصة، أصدرت ديوانيين شعريين للأطفال، وديوان صغير أصدرته عندما كتب الشاعر نزار قباني ''متى يعلنون وفاة العرب''، حيث رفضت المصطلح، وقلت إن العرب لن يموتوا وسيبقون أحياء بالرغم من الظروف التي يعيشونها في الوقت الحالي، وبما أنني مؤمن بالعروبة يجب أن نتفاءل ونؤمن بأنه سيبزغ فجر هذه الأمة مهما طال الزمن. تحتضن الجزائر دورة الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، إلى أي مدى في اعتقادك يمكن أن تساهم هذه الدورات والاتحادات في خدمة الثقافة العربية وتحقيق التواصل بين الكتاب والأدباء من مختلف أرجاء العالم؟ ̄ طبعا هذه مهمة الاتحادات ومهمة المؤسسات الثقافية، ولكن أيضا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي عاشها العرب، يعني أن النهوض الثقافي قد لا يكون سهلا ولكنه ضروري جدا، ومهما عملنا لكي ننهض بالوضع الثقافي ونصل به إلى مستوى عال ويرضينا، إلا أننا نبقى دائما بحاجة إلى جهود جبارة جدا، وإلى برامج مهمة ونشاطات متتالية وخطط ثقافية وإبداعية وأدبية كثيرة حتى تنشط هذه الثقافات. فالعرب في فترة الاحتلال التركي خضعوا لمرحلة ركود طويلة، حيث منعوا من الحديث بلغتهم.. والآن طموحنا كبير للنهوض بالثقافة والإبداع بصورة عامة، وأنا متفائل بأن مثل هذه الندوات كالتي أقيمت في الجزائر تقدم فائدة كبيرة جدا، وتفتح آفاقا كثيرة، ومع ذلك أقول إن هذا لا يكفي، فالندوات التي تنتهي في مكانها وزمانها ليست ندوة، وأملنا كبير في تلك التي تفتح آفاقا جديدة للاستمرار مستقبلا، لذلك يجب أن لا تتوقف، وبالمقابل يجب أيضا أن نصحح مسارها ونعمق مضامينها، علينا أن نفكر في تقديم لقاءات وملتقيات ذات فائدة كبيرة، وشخصيا استفدت كثيرا من ندوة ''معالم الحداثة في الأدب الجزائري المعاصر'' حيث كشفت لديا الكثير من القضايا وحين أسافر إلى سوريا سأواصل في دراستها. في نفس الوقت رأيت أن هناك بحوثا ودراسات ومقالات مأخوذة ك''فض عتب''، لم تعط الاهتمام الكافي، وكنت قد أكدت أن موضوع ''الحداثة'' واسع وشامل، فيا حبذا لو أحضروا أديبين أو ثلاثة من الجزائر وركزوا عليهم، فهذا الزمن زمن التفصيل والتخصص وزمن الآراء النقدية، والتي نحن بحاجة إليها. الوطن العربي بحاجة إلى ندوات متتالية، ولكن يجب أن نحدد وأن يكون للندوة موضوع محدد وليس واسعا، فالحداثة لو نكتب عنها مليون سنة لن ننته، كما أن هناك من لا يعترف بها نهائيا، لذلك علينا أن نقدم ما يعطينا فائدة. خلال الندوة تم الحديث من قبل أستاذة عراقية عن الأدب الجزائري، هو شيء جميل لكن أن تأتي بمعطيات متى تأسست ومتى انتهت فلا، نريد عملا أدبيا وسوف ترين كيف سيتفاعلون معه، نقدم الشخصيات الجديدة والآفاق وهنا ندخل في النقد التطبيقي ولا نظل في المصطلحات والآراء العامة التي تحتاج إلى التفصيل، علينا أن نحترم اتحاداتنا ومؤسساتنا وأن لا نقدم مداخلات سطحية أو تجميع معلومات وفقط، نحن بحاجة إلى جرأة نقدية.. ..وهو الإشكال الذي ما يزال يطرح نفسه ألا وهو غياب النقد في الأدب العربي على وجه الخصوص؟ ̄ أحييك.. هذا هو الإشكال غياب النقد، في بعض الأحيان نعمل على إحضار معلومات ونحضرها وكأننا اكتشفنا قارة جديد.. لا المعلومات كثيرة، متى بدأت الرواية ومتى انتهت ليست موضوعنا، هناك مداخلة قدمتها إحدى الزميلات عن الواقع الثقافي للأدب بين الورقي والانترنيت، طيب أنا لديا قصة مكتوبة بالورق ومكتوبة على الانترنيت المشكل لا يمكن هنا بل علينا أن نتساءل ما هي أضرار ومنافع الانترنيت، ما هي التغييرات الاجتماعية التي حدثت من خلال هذا التطور.. على سبيل المثال نتساءل لماذا سبقونا إلى الانترنيت؟ وأين هو دور الأم والأسرة في تنشئة الطفل؟ ولماذا لم نكن نحن السباقون إليه، لأن الأطفال أذكى منا أم نحن المتخلفون؟ هناك أناس لم يتمكنوا إلى يومنا هذا من إمساك الفأرة وهذا دليل على معطيات اجتماعية يجب أن نحللها، هل هي ظاهرة صحية أم مرضية وكيف نعالجها؟ حتى نخرج باستنتاجات وافية لنصل إلى قواسم مشتركة تبين أين هي الحالات المرضية وحالات التخلف والاستنهاض؟. أرى أحيانا أنه لدينا استسهال، وأضرب لك مثالا على ذلك ب''هاربر لي'' في روايته ''لا تقتل عصفورا ساخرا'' يقول المحامي لإبنه: يا بني أنت تستطيع أن تتغلب على شخص أو اثنين أو ثلاثة بيدك، ولكن تستطيع أن تقنع العشرات بالكلمة، فالكلمة أقوى من السيف وهي الأهم. لذلك أقول أن الندوات يجب أن تحترم ونعطيها حقها، وصراحة هناك من شاركوا ببحوث سيقرؤونها فيما بعد في مكان ثان. في يوم من الأيام قلت لأستاذ جامعي هم يتحدثون عن ''الحداثة'' وأنت الآن عليك بفرز وتحليل القصائد، فأين الحداثة في قصيدة التفعيلة، ليس كل من كتب الشعر صار حداثيا، نطالب الزملاء بإعطاء جهد واهتمام أكبر لهذه الندوات لدورها الكبير في خدمة أحلامنا الثقافية والأدبية. في سياق حديثك قلت بأن الندوات التي تنتهي في مكانها وزمانها ليست بندوات، وهو ما يلاحظ في الوقت الراهن، عدم وجود تواصل فعلي بين الأدباء والكتاب العرب، أي أن العلاقات مناسباتية وتنتهي بانتهاء التظاهرة؟ ̄ أحييك على هذا السؤال، وأنا لا أعتبره سؤالا وإنما معايشة لواقع حقيقي، أؤكد مع الأسف أن الثقافة لم تصبح لدينا هما حقيقيا، فالثقافة أهم من الغداء الحالي وأهم من الماء، لأن الثقافة تعلمنا كيف نشرب الماء بطريقة صحية، فإذا غابت ما يسمى ب''الثقافة الروحية'' تضطرب كل أموري، فالقراءة والثقافة تنمي لديا العديد من العادات والتقاليد المهمة، فالكلمة حولت أشخاصا إلى قامات مهمة، وبصراحة لم نصل بعد إلى نقطة نعتبر فيها الثقافة هما إنسانيا مهما. أرى هنا أن الأم لها دور في ترسيخ الثقافة لدى الطفل، لأنها هي من تربي أولادها التربية الصحيحة. المهم أن ندوة مثل التي تحتضنها الجزائر يجب أن يحضرها عشرات الناس لأن طموحنا كبير، وأحييك مرة أخرى على السؤال وعلى هذا التقويم، حيث أنك تعبرين عن طموح لتكون هذه اللقاءات والندوات مستمرة وفي أماكن كثيرة، لكن ذلك يتطلب جهدا وبرمجة، ونحن يجب أن نفكر بما قاله الأعداء عنا بأننا ''لا نقرأ'' وإذا قرأنا ''لا نفهم'' وإذا فهمنا ''لا نعمل..'' فيجب أن ندحض هذه المقولة والحكم القاسي علينا، يجب أن نقرأ ونفهم ونعرف قيمة العمل لأنه من قيمة الكلمة، ولحد الآن لم أر بأن الثقافة أصبحت هما حقيقيا في الحياة قبل أي شيء آخر. الثقافة تساعدنا على اكتشاف العديد من الأمور، وتبدأ من المرأة التي تربي ابنها على أن يستمتع بالقراءة، ومع الأسف أرى أن أغلبية النساء مهتمات بالمسلسلات التركية فمتى يمكنها أن تقرأ وتراقب طفلها الذي أصبح هو الآخر يهتم بهذه المسلسلات، وقد طرحت في موضوع إشكالية ''ما هو الدور الثقافي للمسلسلات'' وبالطبع هو دور ترفيهي والترفيهي ليس ثقافيا، وأتمنى أن نفهم الدور الثقافي لكل حركة نقوم بها. كيف يعيش المثقف السوري الأحداث الراهنة في بلده وما الذي يتطلع إليه مستقبلا؟ ̄ هناك أزمة، والآن هناك صراع، من وجهة نظري أنا ضد العنف، بزماني فكرت بحزب اسمه ''التكامل العربي'' والذي ينطلق من الشخص ومن تكامل الإنسان مع نفسه، وقد لجأت إلى الإسلام والمسيحية معتمدا على كل المبادئ بمعنى ''جادلهم بالتي هي أحسن.'' أنا أرفض رفضا قاطعا أن أحمل السلاح ضد ابن وطني، فهو فقدان للعقل، ونريد جميعا أن نعود إلى الصواب، وأن ننظر إلى البعيد وإلى أين سيؤدي هذا الصراع. وطننا يجب أن نحميه بكل ما نملك من قوة، ويجب أن ينبع ذلك من أنني أحترمه واحترم الآخر والزمن والمستقبل، وكي لا أشتم يجب أن أتعلم كيف أحافظ على نفسي حتى لا يقولون غدا إن هذا الإنسان عميل ولا يحب وطنه. نحن نستشهد بشيئين، حيث يقولون الناس صنفان'' :موتى في حياتهم وآخرون تحت الأرض أحياء.'' علينا أن نتحاور ونتجادل بالتي هي أحسن، يحب أن أقدسك لأنني بذلك قدست نفسي وكل قيمي، واحترامي ينبع من الطرف الآخر، ''إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا''، فالأخلاق مبنية على الحب وأرفض أن يكون في وطن واحد أعداء. نتأمل خيرا ولا أريد أن أنتصر على أحد من أبناء بلدي، أريد أن ننتصر جميعا لكي نتجاوز الأزمة ونصل إلى بر الآمان، ونعرف إلى أين نحن سائرون.