يختلفون في مستوياتهم التعليمية واهتماماتهم في الحياة، ويفصل بين سنّهم فارق زمني ليس بسيطاً، فمنهم الشباب ومنهم الكهول، لكنهم يجتمعون على حب الوطن، فهو الحياة بالنسبة للبعض والانتماء للبعض الآخر، هم زوّار استوقفهم جناح «الشعب» بالمعرض الدولي للكتاب «سيلا»، حيث شدّتهم الصّور باللونين الأبيض والأسود لحقبات مختلفة من مراحل الحكم في الجزائر، وجذبهم العنوان الرمز الذي ظلّ صامدا منذ الاستقلال إلى غاية اليوم رغم المنافسة الإعلامية الشّرسة بعد فتح القطاع أمام الخواص، هم كذلك مثقّفون قصدوا أمّ الجرائد يبحثون على حضنها لاحتواء إبداعاتهم الأدبية، فكانت الفرصة لاستطلاع آرائهم حول أهمية المشاركة في الموعد الانتخابي الهام لاختيار رئيس للبلاد، وإعادة قاطرة الحياة السياسية إلى سكّتها. لم يكن من السهل إقناع الوافدين إلى أروقة معرض الكتاب بقصر المعارض الصنوبر البحري بالحديث في السياسة والوضع العام للبلاد، خاصة وأن أغلبهم كان يبحث بشغف عن كتب تروي ظمأه المعرفي، وفضّلوا أخذ قسط من الرّاحة على حدّ قول أحدهم، لأن إرهاصات الحراك والاحتجاجات ألقت بظلالها على الحياة العامة، وصارت تشكل هاجسا بالنسبة للبعض وتخوفا من استمرار الوضّع بسبب استمرار الدعوات المنادية بمقاطعة الانتخابات. الانتخابات وسيلة وليس غاية «الطاهر» وصديقه، توقّفا عند الصّور المعروضة بجناح «الشعب»، وقال «الطاهر»: «مازالت ذاكرتي تحتفظ بصورتها بالحجم الكبير، فإلى سنوات ظلّت الوحيدة في السّاحة رفقة جريدة المجاهد الصادرة باللغة الفرنسية». هذا الحديث عن العمل الإعلامي لأمّ الجرائد كان فرصة لنا لقياس مدى اهتمام الزائرين بالموعد الانتخابي، وهما اللّذان يمثّلان فئة هامّة من المجتمع على اعتبار أنّهما شابين في مقتبل العمر، وفي الوقت الذي أبدى «الطاهر» رغبته في المشاركة في هذا الاستحقاق الهام والإدلاء بصوته يوم 12 ديسمبر المقبل بغض النظر عن الأسماء المترشحة وإذا ما كان راضيا عنها أم لا، رفض صديقه ذلك من منطلق أن لا أحد من المترشحين أقنعه، ليرد عليه صديقه بأنّ المسألة حرية شخصية ولكن يجب عدم تفويت الفرصة والذهاب للتصويت بورقة بيضاء أو باختيار أي مترشّح، لأن المسألة تتعلق بسيادة وطن واستمرارية دولة، قبل أن يضيف أن الجميع يجب أن يعي أن الانتخابات هي وسيلة لبلوغ سدّة الحكم، وليس غاية من أجل السّرقة والنّهب. ارتباط وثيق بتاريخ الجزائر والدّولة الوطنية إذا كان «الطاهر» مازال يحتفظ في ذاكرته بصورة أمّ الجرائد بحجمها الكبير، فإن بوثلجة لعموري إطار إداري متقاعد فتح عينيه كما قال وهو ابن الاستقلال على جريدة «الشعب»، التي ارتبطت بذاكرة الشعب الجزائري لأنّها واكبت وما تزال - حسبه - طموح الشعب الجزائري وإرادته ورغبته في بناء دولة حديثة ووطنية يلتف فيها حول قيادته ويساهم في بناء البلاد، قبل أن يضيف أن الشعب الجزائري مرتبط وطنيا بتاريخ الجزائر والدولة الوطنية. وحذّر في هذا السياق من مغبة الانسياق وراء دعوات مقاطعة الانتخابات التي تنادي إليها بعض الأطراف في الحراك الشعبي، مشدّدا على ضرورة إجراء الرئاسيات في موعدها، لوضع حدّ لما أسماه بالمتلاعبين، فالظرف الحالي يتطلّب انتخاب رئيس للبلاد، لأنه الوحيد من يملك الصلاحيات الدستورية لإجراء أي إصلاحات مثلما يطالب به البعض في الاحتجاجات والمسيرات. وإذ كانت القائمة الانتخابية الأولية التي كشفت عنها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لم تحمل المفاجآت في الأسماء المترشّحة للفوز برئاسة البلاد بالنسبة لزائرنا، إلاّ أنّه وجّه دعوة للجميع بأن يحترموا هؤلاء، ويدعوهم يتنافسون حتى يتمكّن صاحب الكفاءة من إثبات نفسه، أما الذين يريدون أن تبقى الجزائر هكذا، فهؤلاء لديهم أهداف غير وطنية، على حد تعبيره. تغليب مصلحة الوطن ولأنّها صاحبة «بياض الرّوح» الديوان الشعري الذي جاءت تحمله كمولود صغير إلى جناح «الشعب» وهي سعيدة به لأنّه ثمرة من ثمرات إبداعاتها الفنية وهي المهندسة، لم ترفض الشّاعرة سعاد كاشا فتح قلبها لأمّ الجرائد والرد على تساؤلاتنا حول موقف المثقّفين من كل ما يحدث في الساحة السياسية، من الانتخابات ومن كل الأحداث المتسارعة، خاصة وأنّهم عنصرا فاعلا في المجتمع يؤثّر ويتأثّر. وفي رأي كاشا تعتبر الانتخابات فعلا مخرجا وخلاصا من الأزمة السياسية، بل هي الحل لإعادة قاطرة الحياة السياسية إلى سكّتها، كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية، ولكن يجب توفير المناخ المناسب والملائم على حد قولها لإجراء انتخابات شفّافة، نزيهة ونظيفة، عن طريق تصفية الأجواء المشحونة لأن هناك لغط كبير في الساحة السياسية، وعلينا أن نحاول سماع بعضنا ولا نزايد على وطنية بعضنا البعض، ولا يجب أن يكون الاختلاف سببا لخلق العداوة بيننا، المفروض تضيف الشاعرة نفتح المجال للحوار وكل طرف يسمع الآخر، يفتح قلبه قبل أذنيه حتى نصل إلى أرضية مشتركة مبدأها حب ومصلحة الوطن. ولم تنكر كاشا، وجود نيّة طيّبة من السلطات العليا للبلاد لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، ترجمتها في إنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات لأول مرة في تاريخ الجزائر، وفتح باب المحاكمات لمن كان سببا في جر البلاد إلى مستنقع الفساد، إجراءات قالت يجب تعزيزها بالذهاب إلى حوار وطني مفتوح تسمع فيه كل الأطراف بعضها البعض بكل حرية وشفافية، دون التراشق بالتهم لأنّنا في النهاية نريد مصلحة الجزائر، إلا بعض الأطراف المحدودة جدا التي لا تريد ذلك وتلك وضعها خاص، لكن رأي الأغلبية تريد تصفية الأجواء وإعادة الثقة المفقودة بين المواطن والسياسيين، على حد تعبيرها. وأبدت تخوّفا من الشّخصيات التي ستخوض غمار الرئاسيات، فعلى حد قولها لم تحمل الجديد. وختمت كاشا حديثها بدعوة الجزائريين إلى العمل على إصلاح الذات أولا كل واحد في ميدانه، فكل شخص ينتقد غيره وينسى نفسه، لذا إذا اشتغل كل فرد على نفسه سيصلح المجتمع اليوم أو غدا لا محالة. أما عبد الرحيم سليمان صويلح، كاتب ومؤلف وناشط جمعوي، فأكّد أنّ الانتخابات فرصة للشعب الجزائري لاختيار الرئيس المناسب لتسيير سدة الحكم، فالوطن كما ذكر في كتابه «ليطمئن قلبي» هو المكان أو الرقعة التي تحفظ فيه الكرامة ويكون فيه المعاش، وعلى هذا الأساس يقول الانتخابات هي الحل حتى نجد البذرة الصالحة أو الرئيس العادل، الأمين والصادق، الذي يبني بلادا قوية ويعيد الاعتبار للمواطن، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، فالتركيز على تنشئة سليمة لطفل اليوم، نصل إلى مواطن صالح في الغد.