أدى الشعب الليبي دورا تاريخيا في دعم الثورة الجزائرية منذ اندلاعها "1954/1962"، من خلال إيمان قادتها بالوقوف إلى جانب الجزائريين أيام محنتهم ودعم ثورتهم، إلى غاية تحقيق أهدافها بدحر الاستعمار الفرنسي. شهدت كتب التاريخ ومؤرخين وكتاب على الدور الكبير لدولة ليبيا، وتجسد الموقف الليبي منذ اندلاع الثورة التحريرية المباركة في أول نوفمبر 1954 إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية في 5 جويلية عام 1962. بذلت ليبيا جهودا كبيرا في مساندة ونصرة الجزائريين في ثورتهم ضد المستعمر الفرنسي من الناحية المعنوية والمادية، إذ لم تبخل الشقيقة ليبيا على الجزائر بالنفس والنفيس للمساهمة في ثورتها وتحريرها. وتحولت الثورة الجزائرية في صراعها ضد الاستعمار الفرنسي إلى حرب مواقع وصراع استراتيجي، وهذا الذي دفع قادتها لتوسيع دائرة القتال، وفي هذا الإطار جاء فتح جبهة الصحراء لاسيما على الحدود الليبية، بهدف تشتيت قوات الاستعمار الفرنسي وتخفيف الضغط الذي كان مضروبا على وحدات جيش التحرير الوطني في الشمال. دعم معنوي.. برزت الصلة الأخوية التي تجمع الشعبين الليبي والجزائري، حيث جعل الجزائريون ليبيا مستقرا لهم من وجه الاستعمار الفرنسي. ورأت ليبيا ضرورة دعم الثورة الجزائرية معنويا، من خلال المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية من أجل رفع صوت الشعب الجزائري، وهذا ما جسده البلاغ المشترك بين الحكومة الليبية ونظيرتها التونسية الذي صدر في 17 ماي 1957، وما ورد فيها "إن حل القضية الجزائرية أصبح ضرورة ملحة لاستقرار الأمن والسلام في كامل المغرب العربي، بحسب ما ورد في كتاب مواقف الدولة العربية من القضية الجزائرية للكاتبة مريم صغير. وما زاد من تأكيد هذا الموقف البطولي في دعم الثورة الجزائرية تشير الكاتبة، إلى الموقف الشعبي والرسمي من اختطاف زعماء الثورة الجزائرية بالمغرب الأقصى في 22 أكتوبر عام 1956، هذه الحادثة التي تعتبر أول قرصنة جوية عرفها العالم خلال القرن العشرين. وبالنسبة للموقف الشعبي، تمثل في القيام بمظاهرات حاشدة جابت خلالها الجماهير الليبية الشوارع معبرة من خلالها عن سخطها لعملية القرصنة، وأغلقت كل الدكاكين والمحلات التجارية وحتى البنوك، وكان ذلك مع صباح يوم 24 أكتوبر 1956. وما ميز هذه المظاهرات هو حمل العلم الجزائري إلى جانب كل من علم ليبيا ومصر، وتعالت الهتافات منادية بسقوط العدو الفرنسي وبحياة العرب والجزائر، بحسب المصدر ذاته. وبادرت الحكومة الليبية بإقامة أسابيع التضامن مع الشعب الجزائري وثورته في كامل أراضيها. معركة "إيسيين".. كانت مناطق الحدود الليبية الجزائرية من بين المناطق النشيطة في جبهة الصحراء، والهدف هنا واضح، وهو ضرب المصالح الفرنسية الاقتصادية وخاصة الشركات البترولية التي بدأت تنتشر، بحسب ما تحدث عنه محمد ودوع أستاذ بجامعة الجزائر 2. عرفت منطقة الجنوب الليبي المحاذية للحدود الجزائرية الليبية، حسب المصدر ذاته، أحداث عسكرية عديدة، لكن أهم هذه الأحداث والتي أخذت أبعادا دولية هي معركة "إيسيين" التي وقعت في أكتوبر 1957. وأظهرت معركة "ايسيين" على الحدود الجزائرية الليبية من 3 إلى 5 أكتوبر 1957، للجميع مدى تلاحم الشعبين الجزائري والليبي في دحر فرنسا وجيشها، امتزجت فيها دماء الشعبين الشقيقين وكان الانتصار حليف جيش التحرير الوطني. وتعكس المعركة عمق العلاقات الثنائية الراسخة بين نضال الشعبين الشقيقين الجزائري والليبي. وتعتبر معركة "ايسيين" محطة خالدة ومتميزة عززت أفق الكفاح المسلح ضد المستعمر وفتحت جبهة إستراتيجية ساهمت في فك الحصار المضروب على المناطق الشمالية للوطن آنذاك خاصة بعد تضييق الخناق عليها وإقامة خطوط الموت والنار. قاعدة خلفية ولوجستية للثورة الجزائرية أصبحت ليبيا قاعدة خلفية ولوجستية للثورة الجزائرية، وكانت بها مستودعات الأسلحة، ومراكز التدريب، وشبكات التسليح، ووفرت إقامة خاصة لقادة جبهة التحرير وأمّنت تنقلاتهم، وأصبحوا يتصرفون بكل حرية دون مراقبة أو إزعاج. واحتلت ليبيا مكانة رائدة في دعم الثورة الجزائرية بالأسلحة واستعملت الأراضي الليبية لنقل الأسلحة من المشرق تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها. وقررت الحكومة الليبية وضع مطاري بلدة نالوت تحت تصرف القيادة الجزائرية بعد إصلاحهما من طرف الحكومة المصرية، وشددت على ضرورة دخول السلاح من مصر إلى ليبيا بواسطة الطائرات وبعلم رئيس الحكومة الليبي بغرض تأمين العملية، إضافة إلى العمل على شراء السلاح بليبيا وتوفير كل الشروط الضرورية لإنجاح العملية. موقف أزعج المستعمر الفرنسي.. إن موقف ليبيا المدعم للثورة الجزائرية وقضيتها العادلة لم يرض السلطات الإستعمارية الفرنسية، لذا حاولت جاهدة تسميم الأجواء على ثورة الجزائريين. وراحت السلطات الاستعمارية الفرنسية تبذل كل الجهود من أجل عزل الجزائر عن أقطار المغرب العربي بالدرجة الأولى منها ليبيا التي حاولت جرها إليها، لكنها فشلت في مسعاها. واستمرت ليبيا في دعم الثورة معنويا وحتى ماديا، حيث رفضت بشدة الصفقة التجارية التي عرضتها فرنسا عليها حول حقل النفط الجزائري المسمى بحقل إيجلي في أواخر عام1957، حسب ما تحدثت عنه الكاتبة مريم صغير في كتاب مواقف الدول العربية من القضية الفلسطينية. الثورة الجزائرية امتزاج لدم الشعبين اللّيبي والجزائري أكد الباحث في الإعلام والتاريخ السياسي، الليبي إدريس أحميد، في تصريح ل "الشعب" أن موقف ليبيا من الثورة الجزائرية واضح سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي والذي تشهد عليه معركة "ايسيين" والتي امتزج فيها الدم الليبي بالدم الجزائري عندما واجه الليبيون والجزائريون الاستعمار الفرنسي وكبدوه خسائر فادحة. وذكر الباحث في الإعلام والتاريخ السياسي، بالمظاهرات الشعبية والطلابية في ليبيا رفضا للعنف الفرنسي ضد الشعب الجزائري ومحاربة المجاهدين الجزائريين، إضافة إلى موقف ليبيا من التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية. وقال إدريس أحميد: "الثورة الجزائرية إحدى الثورات التي سطرت أروع الملاحم في الكفاح من أجل الحرية وواجهت المستعمر الفرنسي الذي حارب الثورة الجزائرية بالحديد والنار وأعتى أساليب التعذيب والقتل". وأشار إلى أن الثورة الجزائرية عظيمة ويُشهد لها، وكان للتآخي والتعاضد بين الشعب الواحد بين ليبيا والجزائر دور مهم، ووقوف الليبيون مع إخوانهم الجزائريين في آداء واجبهم في الوقت الذي كانت فيه ليبيا تحت الاستعمار الايطالي. وتحدث الأستاذ عن دعم الإعلام الليبي للثورة الجزائرية، حيث حظيت القضية الجزائرية بمساحة واسعة في وسائل الإعلام الليبية وتحدث عنها العديد من الساسة الليبيون. ويشير المتحدث، إلى أن الثورة الجزائرية درست في المناهج التعليمية الليبية في الندوات العلمية، إضافة إلى تسمية شوارع في ليبيا بأسماء شهداء وكل ما يبرز الثورة الجزائرية. وفي سياق متصل تطرق أحميد إلى الأزمة الليبية وما تنتظره ليبيا من دعم جزائري لاستقرارها، خاصة وأن الجزائر تمارس دور مهم في هذه القضية، بحسب المتحدث. دعم خاص.. قال سفير الجزائر الأسبق لدى ليبيا، صالح بوشة، في تصريح سابق ل "الشعب" إن "ما قدمه الشعب الليبي للثورة الجزائرية، يمكن أن يكون الأغلى والأهم في الأقطار العربية". وأكد صالح بوشة أن "ليبيا من شرقها إلى غربها وشمالها وجنوبها تفاعلت مع الثورة الجزائرية وخير دليل على ذلك معركة ايسيين". وأشار إلى أن القبائل الليبية اتحدت لتشكيل نوايا لدعم الثورة الجزائرية من بن غازي وصولا إلى غاية طرابس والجنوب الليبي". وتحدث بوشة عن "الأسلحة التي كانت تأتي من المشرق وتمر عبر ليبيا وصولا إلى الجزائر، إضافة إلى المساعدات المادية والمدخرات والأراضي التي قدمها الشعب الليبي للثورة الجزائرية.