لا يمكن تجاهل الدور المحوري والأساسي الذي تلعبه إيرادات النفط في تمويل كل ما يمكن إعتباره حركية اقتصادية ونشاط متشعب الأوجه أصبح السمة الأساسية في المشهد الاقتصادي الحالي، فالورشات الكبرى المفتوحة لم يكن لها أن تعرف النور لولا تضاعف الموارد بالعملة الصعبة على وجه التحديد ولولا تلك الارتفاعات القياسية في أسعار النفط إلى مستوى لم يتوقعه عالم النفط ببلوغها حاجز 147 دولارا للبرميل قبل أربعة أشهر فقط. وبفضل النفط وموارده تحسن الاقتصاد على المستوى الكلي وأرسى أسس التحسن والإنعاش على المستوى الجزئي، حيث لم يتوقف الاقتصاد عن تحقيق الفوائض التجارية من سنة إلى أخرى لتبلغ أوجها خلال السنة الجارية، فقد بينت أرقام التسعة أشهر الأولى من سنة 2008 إرتفاعا قياسيا بلغ 17,35 مليار دولار مقابل 48,22 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام ,2007 وهذا يعني زيادة معتبرة تقدر بنسبة 47,56٪. وحسب المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصاءات للجمارك الوطنية، فقد قدرت الصادرات ب 15,61 مليار دولار في التسعة الأشهر الأولى من السنة الجارية مقابل 48,42 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة الماضية وبارتفاع هام بلغت نسبته 63,48٪ ، وقد تتراجع النسبة إلى حد ما، نظرا لأن الثلاثة الأشهر المتبقية من السنة الحالية شهدت تراجعا في أسعار النفط بأزيد من 60٪ من قيمته الأولى القياسية، حيث يتوقع أن تبلغ إيرادات النفط 80 مليار دولار حسب ما صرح به وزير الطاقة والمناجم السيد شكيب خليل. وفيما يتعلق بالواردات، فقد شهدت هي بدورها إرتفاعات هامة خلال السنوات القليلة الماضية، نظرا للاحتياجات الملحة في تمويل مشاريع التنمية، ولكن أيضا لمواجهة احتياجات المواطنين الاستهلاكية وبمختلف أنواعها، حيث ارتفعت نسبة الواردات إلى 97,27 مليار دولار مقابل 20 مليار دولار فقط خلال التسعة أشهر الأولى بنسبة تعادل 82,39٪، كما ارتفعت نسبة تغطية الواردات عن طريق الصادرات لتصل إلى 226٪ مقابل 212٪، وهذا يفسر بأن عائدات الصادرات بإمكانها تغطية أكثر من ضعف قيمة الواردات. وتخصص سنويا فاتورة مرتفعة لاستيراد احتياجات الإنعاش واحتياجات المواطنين من المواد الاستهلاكية المباشرة في شكل أغذية وأدوية، حيث تحتل واردات سلع التجهيزات الصناعية المرتبة الأولى بقيمة 76,8 مليار دولار، تليها المنتجات نصف المصنعة ب01,7 مليار دولار والمواد الغذائية ب75,5 مليار دولار، حيث أن ارتفاع أسعار هذه الأخيرة في الأسواق العالمية أدى إلى تضخيم الفاتورة الغذائية، أمام إصرار الجهات المعنية على استمرار تموين عادي في المستلزمات الغذائية، حتى ولو أدى ذلك إلى تحمل أعباء الزيادة في الأسعار الدولية. أما السلع الاستهلاكية الأخرى فقد قدرت ب87,4 مليار دولار والمنتجات الخام ب05,1 مليار دولار والمنتوجات الطاقوية الزيتية ب99,3 مليون دولار وسلع التجهيزات الفلاحية ب128 مليون دولار. ونظرا لوفرة السيولة النقدية، فقد تم تمويل الواردات نقدا بنسبة تناهز 6,82٪ أي ما يعادل 11,23 مليار دولار والباقي عن طريق خطوط قروض بنسبة 2,8٪ أي ما قيمته 29,2 مليار دولار، فيما تم تمويل 98,3٪ من الواردات عن طريق حسابات العملة الصعبة الخاصة وبقيمة 11,1 مليار دولار. أما عن الصادرات خارج قطاع المحروقات، فإنها تبقى ضئيلة جدا ولا تمثل سوى 45,2٪، ما قيمته 55,1 مليار دولار موزعة على المواد نصف المصنعة ب 06,1 مليار دولار ومنتوجات الخام ب309 مليون دولار والمواد الغذائية ب98 مليون دولار والتجهيزات الصناعية ب63 مليون دولار ومواد الإستهلاك غير الغذائية ب26 مليون دولار. وبمقارنة بسيطة بين ما يصدر وما يستورد، فإن رغم الأهمية التي تولى على المستوى الرسمي لضرورة قلب الموازنة في هيكلة الصادرات والإعتماد على القطاعات المنتجة لرفع مستوى التصدير خارج قطاع المحروقات إلا أن هذه التصريحات لا تزال مجرد شعار تبنته الجهات التنفيذية والمعنية مباشرة بتجسيد هذه التصريحات وظل مجرد حبر على ورق يولى اهتماما مؤقتا ليندثر عندما ترتفع بورصات وأسهم النفط في الأسواق العالمية. وتبين هيكلة الواردات والصادرات أن السوق الجزائرية تظل من وجهة نظر الشركاء سوقا استهلاكية هامة يعول عليها لتدفق السلع والخدمات خاصة من الضفة الشمالية نحو الضفة الجنوبية، ليبقى الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي للجزائر بنسبة تعادل 18,53٪ من الواردات الجزائرية التي ارتفعت خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2008 إلى 87,14 مليار دولار مقابل 4,10 مليار خلال نفس الفترة من العام الماضي. ------------------------------------------------------------------------