عبد العالي رزاقي يتساءل الكثير عن "الحدود" الموضوعة لما يسمى "محاكمة القرن"، وهل تنتهي المحاكمة بملفات "بنك الخليفة" أم أنها تتواصل بفتح ملفات شركات الخليفة البقية؟ وهل تبقى في حدود القطر الجزائري أم أن إطارات الدولة ستستمع إليها عدالة دول أخرى؟. صحيح أن فضيحة "الجنرال خالد نزار" في عدالة فرنسا كانت درسا لأصحاب القرار، ولهذا لا يستطيعون المغامرة خارج الجزائر بغير المطالبة ب "رأس عبد المؤمن". ولكن ما هي حدود "الممكن" و"المستحيل في الفضائح المالية المحالة على العدالة الجزائرية"؟. الملفات المخفية؟! يقول العارفون ب "خفايا الخليفة" إن العدالة وضعت استراتيجية تستند إلى ثلاثة محاور وهي: أولا: "التأسيس للبنك"، وقد تبين من استجواب رئيسة المحكمة للمتهمين والشهود بأن عبد المؤمن خليفة لم يقم بالتأسيس القانوني للبنك، وهو ما جعل الثير يتساءل، هل يعود ذلك ل "ذكائه" أو "غبائه" أو أن هناك أطرافا كانت تسعى لتوريط عبد المؤمن وطاقمه في "التزوير"، ويحاول البعض تبرير ذلك بالمستوى المتدنى "لمحيطه البنكي". ثانيا: الاعتماد، وسيبقى سرا في ملف عبد الوهاب كرمان أو وزارة المالية. وتبقى مسؤولية وزارة المالية كبيرة كهيئات رقابة. ثالثا: كيفية الحصول على الأموال وكيف تم صرفها. وإذا استثنينا القرض الذي سلّمه بنك التنمية المحلية لعبد المؤمن لاستيراد عتاد أدوية، فإن السؤال يبقى من أعطى الأوامر بصب أموال الدولة والشعب في بنوك الخليفة. المؤكد أن وزارتي السكن ممثلة في الدواوين العقارية الوصية عنها، ووزارة العمل والضمان الاجتماعي الممثلة في الصناديق التابعة لها، وبقية الشركات العمومية والقطاع الخاص هي التي شكلت "ميزانية البنك"، لكن السؤال يكمن في "الثغرة المالية"، وفي اختفاء المال، والعدالة ستتابع كل من أعطى الأوامر لصب المال في خزينة الخليفة لقاء امتيازات، لكنها يصعب أن تصل إلى "الرؤوس الحقيقية"، ما لم تفتح ملفات شركات الخليفة السبعة، وتستمع إلى الوزراء والشخصيات المعنية بالملف. أربع حكومات وفضيحة مالية! بدأ ملف الخليفة في عهد أحمد أويحيى، حيث تأسّس البنك وأخذ الاعتماد، وجاء بعده اسماعيل حمداني، وبالرغم من أن مهمته هي انتخابية، إلا أنه يصعب إلغاء فترته، وخلفه أحمد بن بيتور، ولا أعرف كيف لم ينتبه إلى ذلك، وهو الذي سلمت له قائمة بأسماء الوزراء، دون أخذ رأيه فيهم، وقبل بذلك؟. أما علي بن فليس فإنه هو الآخر يتحمل المسؤولية، خاصة إذا أدركنا أن بوتفليقة صرّح في مطار باتنة عام 2002 بما معناه بأن "طائرة الخليفة... طائرة بندية"، وعودة أحمد أويحيى إلى رئاسة الحكومة دون فتح الملف والانشغال بتجديد عهدة الرئيس دون حماية المال العام يؤكد حقيقة واحدة أن الفضائح المالية لا يتحمل أصحابها المسؤولية وحدهم، وعلى الجهات الوصية الوزراء ورؤساء الحكومات ومديري المؤسسات تحمل مسؤولياتهم كاملة. والمؤكد أيضا أن هذا الأسبوع سيعرف مفاجآت كبيرة لأن العدالة ستستمع إلى أصحاب الأوزان الثقيلة من السياسيين والنجوم. ويبدو لي أن الكفاءة العالية التي تتمتع بها رئيسية المحكمة من خلال الاستراتيجية التي اتبعتها في المراحل الثلاث من محاكمة المتورطين في »البنك« ستمكّنها من التعامل بقوة مع بقية الملفات المتعلقة بشركات الخليفة. ويقول المقربون من "الائتلاف الحكومي" إن قادة الأحزاب الثلاثة، جبهة التحرير، الأرندي وحمس، يكونون قد اطلعوا على ملف الخليفة قبل إحالته على العدالة، وأن تصريحات أبو جرة سلطاني التي أثارت غضب الرئيس بوتفليقة هي ناجمة عن "خيانة ثقة" بين أحزاب الائتلاف. ولا تستبعد أطراف مطلعة بأن عبد المؤمن الذي يعيش حاليا »حالة إدمان متواصلة« قد يفاجئنا بتصريحات ومعلومات قد تعقد القضية. ما نستطيع تأكيده أن الجزائر سارعت إلى فتح ملفات الفساد والفضائح المالية في الجزائر حتى لا يتم فتحها في الخارج، ويتوقع المراقبون أن يكون ملف "بي. أر. سي" أكثر الملفات غرابة، لأنه يحمل الكثير من المفاجآت خاصة وأن الشركة مختلطة، و"رائحة الفساد" تطال مسؤولين كبارا. التلاعب بالأرقام؟ أكثر من 16 ألف متهم في قضية العقار الفلاحي على مستوى العاصمة فقط، وأكثر من 3000 ملف جمركي لتصريحات مزورة في القيمة والكمية والنوعية، وأكثر من 1323 مليار سنتيم ما تزال في انتظار فضيحة البنك التجاري الصناعي، إلى جانب عشرات ملفات البنوك الجزائرية ومؤسسات الدولة وقطاعات المال العام، وفضيحة »القرن الثانية بي. أر. سي« أو شركة »براون روث أندر كوندور« ما تزال لغزا، لأن حلها يقتضي موافقة الطرفين، ومتابعتها قضائيا تقتضي »مراعاة« موقعها الدولي، فهي تمس ب »مستقبل ديك شينى« نائب الرئيس الأمريكي. ومع ذلك، فرئيس الحكومتين السابقتين، في عهدي اليامين زروال وبوتفليقة، والذي بدأت في عهده »امبراطورية الخليفة« يقول »إن قضية الخليفة عادته وتحدث في كل بلدان العالم«، ويحاول تحميل مسؤوليتها مولود حمروش الذي قاد إصلاحات اقتصادية قبل أن يولد أو يحيى على أيدي رضا مالك، ويلتحق برئاسة الجمهورية ويفشل أول خطوة نحو المصالحة الوطنية عام 1995. وأذكر أن وزيرا في حكومة سابقة، تعلّم لغة الأرقام من أحمد أويحيى، التقى مدير شركة اتصالات عربية، وحين حدثه عن وجود 35 ألف خط سريع لمتعاملي الأنترنت، لم يجد طريقة للتباهي عليه سوى القول بأن في الجزائر 45 ألف خط، وهو يدرك أن الشركة الجزائرية المتعاملة بهذه الطريقة تتعامل مع وزارته ولا يوجد عندها أكثر من 3500 خط! والحق يقال إن الحديث بالأرقام في الجزائر، باستثناء في مجال تسديد الديون، هو مجرد تضليل إعلامي، فهل يعقل أن تتقلّص البطالة في الجزائر من 30٪ عام 1999 إلى 15٪ عام 2005، وإلى 9٪ عام 2009، والجامعات الجزائرية تدفع سنويا ب 200 ألف حامل شهادة جامعية إلى الشارع؟. يخيّل لي أن من يتحدثون بالأرقام عن "الواقع الجزائري" هو كمن "يبيع الماء في حارة السقائين"، وأذكر هنا تصريحا لأحد "الحراڤة" الناجي من الموت في الإذاعة الوطنية حول سؤال: هل تكرر المغامرة؟، قال بالحرف الواحد "سأكررها، فالأفضل أن يأكلني الحوت على أن يأكلني الدود"، فإذا كانت الأرقام الرسمية تشير إلى ارتفاع نسبة من هم أدنى من خط الفقر في الجزائر خلال فترة (1999 - 2005)، فهل يعقل أن تنخفض نسبة البطالة؟! الاعتقاد السائد عندي أن هناك أطرافا في السلطة وخارجها »تتلاعب بالأرقام«، بهدف »ذر الرماد في العيون«، وإخفاء الحقائق، وأولها هي الفساد الذي صار عملة يتداولها كل من يلتحق بالمسؤوليات على جميع المستويات. والسيارات التي منحها »بنك الخليفة« لمن أمروا بإيداع الأموال عنده، ستبقى شاهدا على تورط الكثير، إلى جانب المشاركين في حفلات الخليفة داخل وخارج الجزائر. لقد قضى مسلسل الخليفة على »الجزائر عاصمة الثقافية العربية«، وترك سؤالا محيّرا: ماذا لو نفتح الملفات المتعلقة بالحفلات الاستعراضية التي أقيمت في القاعة البيضوية وملعب 5 جويلية؟ وماذا لو نفتح ملفات المعارض والمناسبات؟ المؤكد أن »الثغرة المالية« الموجودة في ملف بنك الخليفة ستصير »قطرة في بحر« !؟ وللحديث بقية.