تغيرت أساليب الخطبة في زمن الهواتف النقالة والفايسبوك، وتغيرت معها الكثير من تبعاتها، ولم تبق لفترة الخطبة هيبتها وحرارتها التي كانت عليها أيام الزواج التقليدي من دون حتى النظرة الشرعية، أيام كان فيها العدول عن قرار الزواج بعد الخطبة أمرا مستحيلا، والعودة عن "الكلمة" ليس من شيم العائلات الأصيلة، لقد أصبح التخلي عن الطرف الآخر في منتصف الطريق ولأسباب واهية ظاهرة تعرف انتشارا رهيبا في الآونة الأخيرة، وتجر معها العديد من الآثار السلبية على المجتمع، كالعزوف عن الزواج. الخيانة الإلكترونية يتفادى غالبية الخاطبين التصريح بامتلاك حسابات شخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فايسبوك، حتى لا يتعرضوا للتنقيب عن ماضيهم من قبل شريك حياتهم المستقبلي، وبينما يقضي الرجل أو المرأة أوقاتا طويلة في التواصل مع اصدقاء من الجنسين، يعاني الطرف الآخر من الإهمال وقلة التواصل لبناء أحلام وردية تتعلق بالحياة القادمة، ولكن كثيرا ما يتحول ذلك العالم الافتراضي الذي يهرب إليه المقبلون على الزواج، لتناسي المصاريف أو لتفادي الحديث في مواضيع مزعجة، إلى سلاح ينهي حياة الخطبة سريعا، في حال ما تم اكتشاف الكذبة. سمية كانت تحضر لزفافها نهاية السنة الجارية، ولكنها انصدمت قبل أيام بحساب خطيبها على الفايسبوك، بعدما أنكر سابقا درايته واهتمامه بأمور التكنولوجيا والتواصل الالكتروني، تقول سمية: "لقد انتهت الكذبة حينما توصلت صدفة إلى حسابه الذي يحمل عشرات الصور رفقة صديقات وزميلات له في العمل، في حين أنه فضل عدم التواصل معي بالاستمرار في فترة الخطوبة"، الصدمة التي تلقتها سمية جعلتها تختار الانفصال، حتى لا تتعرض لصدمات أقوى في المستقبل، فقد اكتشفت أمورا أخرى عبر حسابه لم تكن تعلم عنها مسبقا. العلاقات الطويلة خارج الزواج من مظاهر الارتباط الشائعة في وقتنا هذا هو التواصل المستمر عبر مختلف الوسائل والآليات من هاتف إلى لقاءات وصولا إلى التواصل عبر الانترنت كتابيا أو بالصوت والصورة، أما فترة الخطوبة فهي بالنسبة للبعض مرحلة انتقالية من علاقة غرامية طويلة يعرف فيها الطرفان كل تفاصيل شخصية وحياة بعضهما، في هذا ترى الأخصائية النفسية السيدة لامية حسين، أن: "الحديث المتكرر لساعات طويلة في اليوم، يؤدي بالضرورة إلى نفاد المواضيع البناءة، والدخول في مناوشات وأحاديث تافهة، تفضي إلى خلافات عميقة، خاصة وأن التواصل في فترة الخطبة يختلف عن التواصل عند الزواج والذي يكون مبنيا على قاعدة متينة"، كما أن الحديث المطول بأساليب عصرية يلغي المسافات وضمور الشوق، يقود إلى نوع من محاولة اختلاق هذه الأحاسيس، من خلال الدلع الزائف أو التظاهر بالغيرة المفرطة، وارتفاع وتيرة الشروط التي عادة ما تبلغ مستويات غير معقولة، كالوقوف في وجه بعض النشاطات التي يمارسها الشريك ومنعها، هذا الشعور بالتقيد وعدم الحرية يدفع الكثيرين إلى الانسحاب في فترة الخطوبة، خوفا من التورط والتقيد أكثر بالزواج، إذ تضيف الأخصائية النفسية لامية حسين: "الحياة بمنظور الرجل والمرأة تختلف تماما في فترة الخطبة أو ما قبلها عن الواقع، وتكون طريقة التواصل بدافع واضح إما التحكم أو رفض التحكم، أو مراقبة الطرف الآخر وهو ما يرفضه الكثير، حيث ينتهي التواصل المستمر وانقطاعه المفاجئ أو الانشغال عن الدردشة إلى الشكوك وبالتالي بلوغ أولى الخطوات لتهديم العلاقة قبل الدخول إلى بيت الزوجية"، لأجل كل هذا ينصح الخبراء والأخصائيون الاجتماعيون بعدم الوقوع في شراك التكنولوجيا عندما يتعلق الأمر ببناء أساس زواج صالح، إذ يجدر التريث عن محادثة الشريك في مواضيع تسبق أوانها، والتقليل من الدردشة لإعطاء مساحة حرية أكبر وترك مسافة أمان قبل الاصطدام بالمشاكل والعراقيل التي تحول دون الزواج السعيد.