تفرض الأجواء الشتوية مزاجية خاصة لدى الجزائريين الذين يميلون نحو تناول مأكولات تسمح بمقاومة برودة الطقس، خاصة إذا تزامن ذلك مع الجليد أو تساقط الثلوج والأمطار، سواء في المناطق الجبلية أو الصحراوية وحتى الساحلية، ما جعل الكثير من المحلات تشتهر تحت لواء تحضير أكلة معينة، مثل اللوبيا أو الدوبارة أو الفول والحمص، أو خيمات الشخشوخة والزفيطي والمهراس وغيرها. يتميز فصل الشتاء بأطباق غذائية ووجبات شعبية كثيرة الانتشار وسط الجزائريين مقارنة بالفصول الأخرى، وهذا بصرف النظر عن الطابع الصحراوي أو الجبلي أو الساحلي. وقد كشفت الاحتفالات الأخيرة برأس السنة الأمازيغية الجديدة (ينار) على أن مختلف الأطباق التقليدية التي تقام بالمناسبة تتماشى مع أجواء البرد والشتاء، وفي مقدمة ذلك طبق "ايرشمن" الذي يسجل حضوره بقوة في الأوراس وعديد مناطق الوطن، حيث يتشكّل أساسا من القمح والفول، مثلما تشتهر أيضا الشخشوخة بمختلف أنواعها، مع حضور متفاوت لنكهة الفلفل الحار وفقا لخصوصيات كل منطقة، كما تمتاز منطقة الزيبان والجنوب بشكل عام بطبق "الحسوة" الذي يعد من أخوات الشخشوخة، والكلام ينطبق على زفيطي والباطوط الذي تشتهر به المناطق الصحراوية، مثل بسكرة والمسيلة والجلفة والأغواط وغيرها، قبل أن يتم تصديره إلى بقية ولايات الوطن، من خلال انتشار مطاعم تحرص على انجاز مثل هذه الأطباق. مطاعم متخصصة في أطباق الحمص والدوبارة وأخرى في اللوبيا بالكرعين ويجمع الكثير من المتتبعين بأن اشتهار الكثير من المأكولات التي باتت تتناول في فصل الشتاء قد عرفت انتشارا واسعا، ما جعل الكثير من المطاعم تطبق مبدأ "التخصص وتقسيم العمل" وفقا لنظرية آدم سميث، حيث تتخلى عن بقية الأطباق وتتخصص في تحضير طبق معين وفي مجال معين، بدليل انتشار مطاعم مختصة في فنون طبق الدوبارة الذي تشتهر به منطقة بسكرة، ليعرف هذا الطبق انتشارا في عديد ولايات الوطن، من ذلك ولايات الأوراس والشرق الجزائري وحتى مناطق العاصمة، في الوقت الذي تشتهر ولاية قسنطينة وما جاورها بطبق الحمص الذي يقبل عليه الكثير لتناول وجبة الغداء، خاصة إذا اشتدت حدة البرد أو تزامن ذلك مع تساقط الأمطار والثلوج، وفي السياق ذاته هناك مطاعم فضلت خوض تجربة التخصص في تحضير طبق اللوبيا بجميع أنواعه، وهو ما يجعل البعض يعلق حين يشتد البرد بأن هذا اليوم يستحق طبعا على وقع اللوبيا بالكرعين، أو لوبيا بأرجل البقر، وغيرها من التسميات والتفاعلات. "العيش" والبركوكس ولمثوم ولمحاجب تفرض نفسها في الأجواء الباردة والواضح أن الأمر لا يقتصر في فصل الأجواء الشتوية الباردة على الأكلات والوجبات المذكورة، بل يتعدى إلى أطباق أخرى كثيرا ما تتفنن ربات البيوت في إنجازها، على غرار ما يصطلح عليه في منطقة الأوراس ب"العيش" أو هابليمت، وهو من أخوات الكسكسي لكن حباته أكثر حجما، وتكون له نكهة خاصة حين يتم تحضيره على وقع "القديد"، أي اللحم اليابس تحت أشعة الشمس، مثلما يتم الإبداع في إنجاز البركوكس، وهي أكلة تحضر من مختلف أنواع اللحوم ومكعبات من الخضر كاللفت والجزر والطاطم وغيرها، وكذا لمحاجب، وهو رغيف نحيف يحضر من الدقيق والماء مدعم بالبصل والطماطم على وقع طبقات العجين التي تقلى في الزيت، ولمثوم (مافاس) ولغرايف (البغرير)، أو اللجوء إلى طبق الدوارة التي تستعمل بأمعاء الخرفان، أو طبق المرق الساخن الذي تكون له نكهته في الأجواء الباردة، شأنه في ذلك شأن طبق الشطيطحة التي يستخدم فيها عادة لحم الخروف أو البقر أو الدجاج. ويخلص الكثير إلى القول إلى بأن خصوصيات الشتاء لا تقتصر على برودة الطقس وترقب الأمطار والثلوج وعدم الاستهانة باللباس الذي يقي الجسم من حدة البرد، بل يتضمن تقاليد في مجال الطباق والأكلات التي تفرض نفسها بشكل لافت في عز البرد والثلج والجليد، مقارنة بالفصول الأخرى التي تتغير معها الأكلات بتغير الطقس والمناخ.