السؤال: محمد من المسيلة: أعمل في مطحنة للحبوب، وأثناء الطحن يتطاير الغبار ويصل شيء منه إلى حلقي، فهل ذلك يفسد صومي ويوجب علي إعادة اليوم؟ الجواب: الصحيح من قول العلماء أن ما تطاير من غبار الطحين ووصل إلى حلق العامل لا يفسد صومه، ولا يوجب عليه القضاء، لأن المحلَّ محلُّ ضرورة، وعن هذه المسألة يقول الشيخ خليل في مختصره: "وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ، أَوْ ذُبَابٍ، أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ". . السؤال: ما حكم أخذ عينات من الدم للتحليل خلال نهار رمضان، وهل التبرع بالدم يفسد الصوم؟ الجواب: يجوز أخذ عينات من الدم خلال نهار رمضان للتحليل، ولا يفسد ذلك الصوم، سواء كانت كمية الدم المأخوذ قليلة أو كثيرة، كما يجوز أيضا التبرع بالدم، وما يقوله بعض العلماء من أنه يفسد الصوم فهو مبني على مسألة الحجامة للصائم، هل هي من مبطلات الصيام أو لا تبطله؟ والراجح أنها لا تبطله، لأن الدليل الذي اعتمده من قال بالبطلان منسوخ، وهو ما رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، والحديث صحيح، غير أنه منسوخ بما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ"، وروى النسائي في السنن الكبرى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ"، ومن الصحابة الذي رخصوا في الحجامة للصائم ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم، ومع كل ذلك، فإن الأفضل أن يكون التبرع ليلا مراعاة للخلاف، وأن لا يؤثر ذلك على الصائم، ففي صحيح البخاري عن ثابت البُنَانِيِّ قال: "سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ". . السؤال: زوجي مريض ولكنه قادر على الصوم، وله رغبة شديدة فيه، وهو الآن يضع قطرات الدواء في العين بانتظام بأمر من الطبيب، ولا يمكن تأخير ذلك إلى الليل، وربما وجد في بعض الأحيان مرارة الدواء في حلقه، فهل وضع قطرات الدواء في العين يبطل الصوم؟ الجواب: الأصل أن كل ما وصل إلى الحلق من طريق الفم أو المنافذ الأخرى كالعين والأذن والأنف يبطل الصوم، سواء وصل عمدا أو غلبة، فمن وضع قطرات الدواء في عينه ووصلت إلى حلقه فسد صومه ولزمه القضاء، جاء في تهذيب المدونة للبراذعي: "ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه، فإن اكتحل بإثمد أو صبر أو غيره، أو صب في أذنه الدهن لوجع به أو غيره، فوصل ذلك إلى حلقه، فليتماد في صومه ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا يكفّر إن كان في رمضان، وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه"، ولكن يجب التنبيه هنا إلى أمر هام، وهو أن الفقهاء قديما تكلموا في مثل هذه المسائل، باعتبار نوع الدواء وطريقة استعماله في زمانهم، وقوله في التهذيب: "أو صب في أذنه الدهن" يدل على أن وضعهم للدواء كان بكمية كبيرة، والغالب في ذلك أن يصل إلى الحلق، أما اليوم، فإن القطرات التي تصب لا تتعدى القطرة أو القطرتين أو الثلاث، والغالب أن الدواء يتوزع في العين أو الأذن وما حولها، ولا يصل إلى الحلق، وما يصل إلى حلق المريض فهو من أثر رائحة الدواء لا القطرات نفسها، وعليه فإن وضع القطرتين أو الثلاث قطرات في العين لا يفسد الصوم، ولا ينبغي أن نضيق أمرا واسعا. . السؤال: أعمل في قطاع الصحة، وكنت في الأعوام السابقة إذا دخل شهر رمضان أتأخر عن العمل وأخرج قبل الوقت، وأتحايل خلال ساعات العمل حتى لا أنجز عملي، وأتذمر من المرضى، وأصرخ في وجوههم لأتفه الأسباب، وقد هداني الله تعالى والحمد لله رب العالمين، وسؤالي: هل كان صيامي صحيحا مقبولا؟ وكيف يمكنني أن أكفر عما مضى؟ الجواب: قبول العبادة أو رفضها مرده إلى الله تعالى، وهو القائل: "إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، أما صحة العبادة وفسادها فيمكن الحكم بذلك حسب حالة الفعل، فإذا تحققت فيه شروطه واكتملت أركانه، فإننا نحكم عليه بالصحة، وإن انعدمت حكمنا عليه بالبطلان، وقد يكون العمل صحيحا في نظر الفقهاء وهو مرفوض ومرود على صاحبه عند الله تعالى، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ"، وما كنت تفعله لا شك في حرمته، وعليك أن تحمد الله تعالى على أن هداك إلى التوبة قبل فوات الأوان، ومن تمام التوبة أن تصلح الخطأ ولا تصر عليه، بأن تحافظ على ساعات العمل وتتقنه، وأن تتفانى في خدمة المرضى، وتعتذر لمن أخطأت في حقهم، وتدعو لمن لم تجدهم، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا".