لاعبون يشاركون أبناءهم ويرفضون الاعتراف بسن اليأس لماذا نشهد تألق اللاعبين الجزائريين في سن ما بعد الثلاثين ولماذا دائما يتم اختيارهم كأفضل لاعبين في كل موسم؟ هل عجزت الجزائر عن إنجاب مواهب شابة أم أن اللاعب الجزائري لا يعرف طريقا للتفوق إلا بعد الثلاثين؟ أليس غريبا أن يكون أفضل لاعبي الجزائر من أمثال دزيري أو باجي أو بورحلي أو بلال زواني أو غيرهم من اللاعبين الذين تعدوا ال 33 من العمر، ولما نشهد تألقا نادرا للمواهب الشابة؟ هذه التساؤلات هي مفتاح ظاهرة سنختصها بالعناية في هذا الملف، وواقع الحال يؤكد أن مردود اللاعب يتراجع مع تقدمه في السن، لكننا أمام ظاهرة غريبة هي بروز لاعبين "كبار سنا" على حساب "شباب يافعين" في بطولة هذا الموسم. رفض صانع الألعاب عامر بن علي الاعتزال الإجباري بعد أن ابعد من فريقه مولودية الجزائر وهاهو في 38 من عمره يقود فريق شبيبة الشراقة في الدرجة الثانية، بعد أن قاده الموسم الماضي إلى تحقيق صعود تاريخي للدرجة الثانية. بن علي ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل الصدامات بين اللاعبين الكبار والأندية التي انطلقوا منها وصنعوا فيها اسمهم قبل أن تطالبهم بالراحة او التقاعد، فيرفضون او لا يتقبلوا فكرة أن يتحولوا إلى آلات مستهلكة غير قادرة على الإنتاج. هناك الكثير من اللاعبين الذين شارفوا على بلوغ العقد الرابع لكنهم يرفضون الاعتراف بأنهم لم يعودوا قادرين على العطاء رغم أن حصولهم على منصب في الطاقم الفني تكريما له أفضل من المعاندة ، ولاعبون يطلبون ورقة التسريح بدل الاعتزال رغبة في اللعب لأندية أخرى في الجزائر او حتى خارجها . وعلى النقيض هناك الكثير من اللاعبين تخطوا حاجز الثلاثين من العمر فاستعادوا بريقهم، وأضحوا أكثر أناقة في الملاعب من لاعبين في سن أبنائهم، ما جعل الأمر ظاهرة أحق بالدراسة في البطولة الجزائرية. الظاهرة تفشت بعد مونديال المكسيك تشهد ظاهرة الشيخوخة في الملاعب الجزائرية عودة قوية، إذ تقارب معدلات العمر للأندية الجزائرية ما يقارب الثلاثين عاما، أو تضم اغلب الفرق الجزائرية على الأقل نصف التعداد في العقد الثالث من العمر. وتعود ظاهرة "الشيخوخة في الكرة الجزائرية" الى عشرين عاما تقريبا، بعد ان سمح للاعبين الجزائريين بالاحتراف في أوروبا اثر تألقهم في مونديال اسبانياوالمكسيك، بينما كان يمنع أي لاعب من تحقيق حلمه الاحترافي إذا لم يتجاوز 27 عاما. فتنقل عصاد وماجر وغيرهم إلى فرنسا، ولم يسعف الحظ بلومي الذي رفض طلبه في الاحتراف فوجد نفسه مجبرا على ممارسة هوايته المفضلة إلى نهاية التسعينات فعاش عصري التألق والانحطاط معا للكرة الجزائرية. ويقول ماجر في لقاء به من قبل " لقد منعت من الاحتراف رغم العروض الكثيرة التي وصلتني خاصة من أندية فرنسية، بل وهناك من حاول عرقلتي وإخفاء الدعوة التي تلقيتها من راسينغ الفرنسي، مع ذلك أصررت إصرارا وحققت حلمي في الاحتراف". عندما شهدت الأندية الجزائرية "شبه الاحتراف" في منتصف التسعينيات، وبينما جرت العادة على أن يظل اللاعب على قوة النادي حتى يعتزل من تلقاء نفسه، بل كان اللاعب الشهير الذي يفكر في الاعتزال لتقدمه في السن يجد من يطالبه بالبقاء، تغيرت الأمور إلى حد كبير وأضحى اللاعبون لا يغادرون الأندية إلا بعد طردهم من المسؤولين أو الجماهير لهرمهم. مناد، بلومي .. أمثلة ايجابية للاعبين "عجزة" لعب بلومي للكثير من الاندية الجزائرية، وهو الذي ابهر العالم في مونديالي اسبانياوالمكسيك، وأوشك على الاحتراف في جوفنتوس الايطالي احد اعرق وأقوى الأندية الأوروبية والعالمية، و رغم أن بلومي لم يحظ بشرف الاحتراف إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يقدم عروضا فنية في البطولة الجزائرية مع أندية مثل مولودية وهران، وغالي معسكر ومولودية الجزائر وحتى في صفوف المنتخب. وواصل بإبداعاته إلى أن اعتزل في 39 من عمره، ولولا حادثة مصر وأمر الشرطة الدولية "الانتربول" بالقبض عليه لحقق حلمه في الاحتراف حتى وهو في الثلاثينات من عمره. ومن اللاعبين الذين تركوا بصماتهم نور الدين نقازي مهاجم شباب بلوزداد الذي شق طريقه الى التالق مع الفريق، وبقي محبوبا مثلما بقي وفيا للفريق نفسه، فلعب مع شبان في سن أبنائه لكنه ومع ذلك فانه ظل متألقا إلى يوم اعتزاله. ولعل السجل الذهبي لجمال مناد يؤكد بأنه كان بإمكانه المواصلة فقد فضل الاعتزال وهو في عز العطاء دون مبال بتقدم السنين، حينما قاد فريق شبيبة القبائل الى الفوز بكاس الاندية البطلة في 1994، بعد تجربة احترافية ناجحة في فرنسا والبرتغال. ولم ينتظر شريف الوزاني لاعب مولودية وهران، أو ايت الطاهر لاعب شبيبة القبائل ومولودية الجزائر الخروج من الباب الضيق بل تركوا بصماتهم وهم في سن متأخرة. زواني عميد لاعبي البطولة وباجي لم يتأثر بسنه وفي جرد إحصائي نجد أن مهاجم اتحاد البليدة بلال زواني اكبر اللاعبين سنا في بطولة القسم الأول لهذا الموسم، فهو يوشك على ولوج العقد الرابع بعام فقط لكنه لازال يداعب الكرة وكأنه في العشرين من عمره. و يضم كل فريق من أندية الدرجة الأولى عدد من اللاعبين الذين تعدوا سن الثلاثين او ما يعرف بسن اليأس حيث يتراجع مستوى اللاعبين، غير ان التمعن في قائمة عمداء اللاعبين لكل فريق، تؤكد بان هؤلاء هم الأفضل في فرقهم. فدزيري أو مزوار أو زغدود أو باجي ..وغيرهم هم الأبرز في فرقهم بل أفضل بكثير من المواهب الشابة في كل فريق سواء من الناحية البدنية أو الفنية. ويعد باجي من أفضل اللاعبين بفنياته في فريق المولودية ويبدو انه لم يتأثر بعامل السن، فهو لا يزال يحتفظ بلمساته السحرية، والكثير من لياقته البدنية حتى انه أضحى يسبب صداع الرأس لمسيري العميد كلما طرحت قضية من يخلفه على النقاش. والأمر لا يقتصر على ذلك، فدزيري تمكن من افتكاك عرض احترافي في قطر وهو في الخامسة والثلاثين، ولا يزال من العناصر البارزة والفعالة في فريق اتحاد العاصمة إلى جانب زميله عمار عمور. والمميز كذلك أن اكبر لاعب في فريق نصر حسين داي هو اسماعيل قانا الذي بدا يتجاوز عتبة الثلاثين من العمر، ومع ذلك فهو يمتلك خبرة كبيرة في الميادين خاصة وانه لعب للاكابر في 16 من عمره. ويؤكد هذا إن فريق نصر حسين داي بالفعل مدرسة حتى انه لا يضم عناصر تفوق 25 عاما باستثناء قانا وآخرين يعدون على الأصابع. اكبر لاعبي البرج سنا عميد حراس البطولة يتذكر الجمهور الرياضي حتى من الجيل الحالي للشباب للحارس جمال بوجلطي فهو لم يعتزل سوى في السنوات الأخيرة، ولم يتأثر بوجلطي كثيرا بكهولته وظل محافظا على أناقته إلى يوم اعتزالهن ولا يزال يمد بنصائحه من خلال تدريبه لحراس شباب بلوزداد مثله مثل سيد روحو أو لمين بوغراراة وغيرهم. وسبق لحارس مولودية وهران بن عبد الله ان لعب للمنتخب في سن متأخرة، وكذلك لحارس منير لعور الذي لعب بعد ان تعدى حاجز الاربعين. لان حراسة المرمى لا تبالي كثيرا بقاعدة السن حارس أهلي البرج مروان كيال يعد اكبر لاعبي الفريق وهو في 35 من عمره، ولم يعرف طريقه للتألق إلا في هذا السن. وكيال هو عميد حراس البطولة في درجتها الأولى، بعد أن غادر بلملاط حارس اتحاد العاصمة الدرجة الأولى هذا الموسم وهو في 41 من عمره . لاعبون انتهت صلاحيتهم ويرفضون الاعتزال ويحمل عامل السن الكثير من المفارقات في البطولة الجزائرية او حتى في باقي بطولات العالم فتارة تجد لاعبا يلعب بجانب في سن ولدهن أو يتنافس معه على منصب أساسي في الفريق، أو على منحة مالية. وهناك العديد من اللاعبين الذين انتهت صلاحيتهم لكنهم يفضلون البقاء على الميادين للمزيد من المكاسب المالية، رغم معارضة الكثيرين. وشكل اللاعب سيد احمد عمارة عالة على فريق شبيبة بجاية الموسم الماضي وهو في 37 من عمره، بل وبقي في الفريق يتقاضى راتبا دون المشاركة، ولم يجد مسؤولو النادي طريقة لإبعاده نظرا لما قدمه للفريق من تضحيات فيما قبل، وكذلك اللاعب شيخ بن زرقة في فريق مولودية وهران، أو اللاعب خير الدين خريس في تلمسان الذي اثر اللعب حتى ولو كان مقابل منحة مالية بسيطة جدا. وينشط في فريق اولمبي العناصر الدولي السابق فوزي موسوني الذي لازال مصرا على البقاء في الميادين رغم تراجع مستواه بشكل رهيب مثله مثل جميل سلطاني في فريق اتحاد عنابة. فرق تهدر "الملايين" ولاعبون يتقاضون "منح التقاعد" وهناك الكثير من الفرق التي تلجا إلى الاعتماد على سياسة النجوم، ما يكلف خزينتها الكثير مثل فرق مولودية الجزائر و اتحاد العاصمة واتحاد البليدة فيما قبل. وتضطر هذه الفرق إلى إهدار الملايين بل والملايير من اجل لاعبين كبروا كثيرا، ما يجعلها تصطدم مع معارضة كبيرة من جماهيرها التي تطالب بإحالتهم على المعاش. وتلجا بعض افرق إلى الاعتماد على هذه العناصر في سياق اخر، وذلك في محاولة للاستفادة من خبرتهم وكذلك لمطالبهم المالية البسيطة حتى لا يكلف ذلك خزينة الفريق كثيرا. واعتمد فريق شباب ببلوزداد على هذه الصيغة منذ تولي كالام رئاسة الفريق فاستقدم مساس وبوصوار، وسالمين وهاهو يضيف بن شرقي إلى القائمة، كما أنها سياسة عمدت إليها إدارة اولمبي العناصر باستقدامها لموسوني وعلي موسى ولاعبين آخرين من قبل. ..واخرين أبقتهم الجماهير ولسان حالهم "ليت الشباب يعود يوما" وهناك البعض من اللاعبين الذين تقدموا في السن فبدأت تظهر عليه مظاهر العياء، ومع ذلك فهم محتفظين بكامل إمكانياتهم الفنية، ولأنهم صنعوا مجدا هذا الفريق فان الأنصار لا يتقبلون الأمر الواقع ويفضلون بقاءهم إلى أن تظهر الموهبة التي تخلفها. فبورحلي ورغم مغادرته لوفاق سطيف يبقى دائما محبوبا لدى الأنصار و يبقى الجميع يتمنى عودته للوفاق، ويتحسر جمهور اتحاد العاصمة عن لاعبهم زغدود منير، ومولودية الجزائر عن نور الدين دهام الذي تألق في آخر مشواره الكروي. وأمام تضارب المعطيات يجد الجمهور الرياضي نفسه محصورا بين لاعبين كهول وهم في سن الشباب تحرم المواهب الشابة من الظهور، أو لاعبين محتكرين لمناصبهم فتئد مواهب شابة بسبب ما يعرف "بنجوم التقاعد". هل فعلت المنشطات فعلتها؟؟ لكن ماذا لو أجرى المختصين بحثا علميا عن الظاهرة، وكيف للاعبين جزائريين لم يتكونوا او لم يتدربوا بطريقة سليمة لكنهم يواصلون مشوارهم في ثبات حتى مع تقدمهم في العمر؟ هذا السؤال ليس بريئا مثلما يعتقد البعض، إذ يتردد كثيرا في الشارع الرياضي أن عددا من لاعبي بطولة القسم الأول يتناولون المنشطات دون حسيب او رقيب، والتعليمات التي أصدرها روراوة من قبل بإلزامية إخضاع لاعبين من كل فريق أثناء كل مباراة وحتى اخذ عينات عشوائية في التدريبات لم تعد تطبق. وهناك من ذهب بعيدا في ذلك حيث يقول البعض ان العينات التي أخذت للاعبين جزائريين في السنوات الماضية والتي تم تحليلها بمخبر تونس كان منها عدد ايجابي لكن تم إخفاؤها عن الرأي العام، وهو ما نفاه رئيس اللجنة الطبية في الفيفا آنذاك الدكتور زرقيني. ولكن ماذا لو تم إعادة بعث فحوصات الكشف عن المنشطات هل ستظل هذه العناصر المتوهجة في سن ما بعد 35 بنفس المستوى، أم أن "شيوخ" الكرة الجزائرية أفضل من شبابها؟. يوسف بن محمد