كبار المجرمين في العالم رجال لكن إذا ارتكبت المرأة جريمة كانت من أبشع الجرائم تنفيذا، فكثيرا ما نسمع عن نساء قطعن أزواجهن إربا إربا، وأخريات رمين بهم في قاع آبار سحيقة. أما بطلتنا فمتهمة لأنها تسببت في نزع جلد الضحية الأولى من على عظمها، وحرقت شفة و بلعوم الضحية الثانية، فكانت جريمة بشعة لا يزال ضحاياها في المستشفى رغم مرور السنة على حدوثها. هي ضحية مجتمع لا يرحم فتاة احتضنها الشارع في سن ال14 ولقنها دروسا في العنف والجريمة وأمدّها بطفل فكانت أما في ربيع عمرها. خديجة، صاحبة ال21 ربيعا، حسناءٌ مثلت نهاية الأسبوع أمام قاضي جناياتٍ استطاع تقمّص دور الأب الحنون والواعظ المُرشد لكنه مُنصفٌ للضحايا قبل كل شيء، حيث طلب منها سرد وقائع قضيتها البشعة، فاسترسلت في رواية قصتها بنبرات حزينة ولكن بكثير من الانفعال والسخط. فهي تنحدر من و لاية ميلة، تطلّق والداها وهي لا تزال طفلة بين سبعة إخوة، فكان مستقرّ الوالدة عند الأخوال، ولربما لم تتحمل خديجة المكوث هناك فقرّرت الرحيل دون رجعة ولكن إلى المجهول، فاستقلت حافلة متجهة إلى العاصمة وهي في سن ال14. وعند ولوجها أرض العاصمة اختارت مكانا قريبا من مركز الأمن للمبيت فيه، فطال مُستقرّها هناك.. القاضي قاطعها مستفسرا عن تعرّضها لأي اعتداء هناك لكنها نفت ذلك و لربّما أخفته عمدا. وبعد طول استقرار أخذها رجال الأمن إلى مركز الطفولة المسعفة ببئر خادم حماية لها، لكن الفتاة تمرّدت هناك وظهرت أولى بوادر العنف لديها إذ قامت بتكسير زجاج نوافذ مكتب المديرة بعد لحظات انفعال. وعند بلوغها سن 18 حٌوّلت إلى مركز الإسعاف الاجتماعي بدالي إبراهيم رفقة ابنها غير الشرعي الذي لا يتعدى السنة من العمر والذي لم تتطرق لتفاصيل إنجابه، فمكثت هناك رفقة نساء وفتيات من جميع الفئات والمستويات.. وإن كانت خديجة تحدّثت لقاضي الجلسة عن أمور جدّ خطيرة تحدث بذلك المركز، من دخول رجال غرباء وبيع للمخدّرات والكحول والتبغ فشبّهت معيشتها هناك بالعيش في الشارع، وأضافت أنه نتيجة لهذه الأمور كثيرا ما كانت تحدث مناوشات وعراكات بينهن، وصلت حدّ التعدّي على النساء الضعيفات وسرقة حاجياتهن وأموالهن من طرف أخريات عنيفات. وفي اليوم المشؤوم المصادف ل24 جويلية 2006 قصدت خديجة رفقة صديقة لها محلا لشراء قارورة حمض الأسيد الخطيرة مبرّرة ذلك بمحاولتها الانتحار، حيث وضعت الحمض داخل قارورة ماء معدني للتمويه وخبّأته تحت سريرها، وفي اليوم الموالي - حسب تصريحاتها - و بينما كانت جالسة في الحديقة اعتدت بعض النسوة على أخرى، فهربت المعتدى عليها باتجاه خديجة، هاته الأخيرة ظنت أنها ستضربها فرشتها في وجهها وظهرها بحمض الأسيد ثم أفرغت الباقي على رأسها، و هنا بدأ الدخان يتصاعد من الضحية وهي تصرخ وجلدها يتساقط أمام أنظار المتهمة.. لكن محاضر التحقيق أثبتت أن خديجة تعمّدت صبّ الحمض على الضحية الأولى التي كانت جالسة في الحديقة، لتتجه نحو الضحية الثانية وتجبرها على شربه بعدما ادّعت لها أنه ماء معدني، و بمجرد شربها له احترقت شفتها وبلعومها ومعدتها وبدأت في تقيّؤ الدّم. غير أن خديجة أنكرت ذلك مٌبررة صبّ الحمض على الأولى بحالة الخوف منها لما رأتها هاربة نحوها، وأن الضحية الثانية هي من قصدتها وطلبت منها السماح لها بشرب الماء و الذي ليس الا الحمض فتساءل القاضي عن عدم إخبارها بحقيقة الماء، لكن المتهمة برّرت ذلك بحالة الانفعال التي تملّكتها فهي أم لولد غير شرعي ومنبوذة من طرف أسرتها، مصرّحة بأنها كثيرا ما لجأت لتقطيع جلدها بشفرات حلاقة في حالات انفعال شديدة، حيث شمّرت على ذراعيها فتفاجأ القاضي بوجود أخاديد وجروح كثيرة على جلدها و هو ما جعله يشك في تعاطيها للمخدرات لكنها نفت ذلك. المتهمة كانت وحيدة في الجلسة فلم يحضر أهلها رغم علمهم بتواجدها في السجن و حتى المحامي الذي رافع عنها عيّنته لها المحكمة، و بدورهما الضحيتان القابعتان لحد الساعة في المستشفى لم يحضر أي ممثل عنهما، ما عدا أخت الضحية التي رشتها خديجة و المتواجدة بمستشفى دويرة، حيث صرّحت بأن شقيقتها المطلقة ليس لها أن تتعدّى على أحد وأن خديجة ظلمتها، مضيفة أنها قصدت شقيقتها في المستشفى مؤخرا فلاحظت أن جلدها ما يزال يتقاطر ويذوب ما نتج عنه تشوّهات دائمة بالوجه و الصدر و الظهر. النائب العام مناصرة يوسف و في مرافعة مؤثرة و جدّ منطقية باعتباره يدافع عن المجتمع أبدى تعاطفا مع المتهمة مٌعدّدا أسباب انحرافها مؤكدا أنها حالة اجتماعية محزنة، لكنه في الوقت نفسه أكد وجود جريمتين و ضحيتين لابد من القصاص لهما، ليلتمس عقوبة 10 سنوات سجنا نافذا لخديجة. لتدينها المحكمة بعد المداولات ب5 سنوات سجنا نافذا. نادية سليماني