عبد المجيد بوزيدي (*) صرّح وزير الطاقة الجزائري، بحر هذا الأسبوع، بأن سعر برميل البترول الخام سيبقى مرتفعا على الأقل إلى غاية شهر مارس 2008. ترى لماذا اختار شكيب خليل شهر مارس بالذات؟ وهل معنى ذلك أن سعر البرميل سينخفض بعد هذا التاريخ؟ لقد أقر الاجتماع الأخير لقمة الأوبيب المنعقدة في الرياض رفع الإنتاج بواحد مليون برميل يوميا، في محاولة لإقناع الدول المستهلكة برغبتها في المساهمة في استقرار السوق. من جهتهم، يجمع الخبراء والمحللون في مجال النفط بأننا دخلنا عهد البترول الغالي، وهي، على كل حال، الأطروحة التي يدافع عنها جون ماري شوفاليي، المختص في اقتصاد النفط. سؤال آخر قد يتبادر إلى أذهاننا: هل سنعيش صدمة نفطية ثالثة؟ الخبراء في مجال النفط يجيبون بالنفي، وحجتهم في ذلك أن الارتفاع الحالي لأسعار النفط بدأ، في حقيقة الأمر، عام 2004 ثم تضاعف تدريجيا ولا علاقة له بالأحداث العالمية المهمة كما كان الشأن بالنسبة إلى الصدمة النفطية الأولى التي تُعزى إلى ارتفاع تكاليف استخراج النفط الناجمة عن استغلال ألاسكا وبحر الشمال لهذه المادة وإلى قدرة الأوبيب على فرض نفسها في السوق وأخيرا، إلى ندرة السفن النفطية لنقل الذهب الأسود. أما الصدمة الثانية فسببها الرئيسي الحرب الإيرانية العراقية. لسنا اليوم أمام صدمة نفطية بقدر ما نحن أمام »تغيير في خارطة الطاقة«؛ ذلك أن ارتفاع الأسعار يندرج أكثر ضمن تغيير جذري وله، بذلك، حظوظ أكبر ليستمر. وفي هذا السياق، يحذّر البروفيسور جون ماري شوفاليي »نحن ننتقل من بيئة كانت فيها الطاقة وافرة وبأسعار معقولة إلى بيئة تميزها الندرة المتزايدة للطاقات النفطية«. وفضلا عن هذا وذاك، فإن الارتفاع في أسعار البرميل لا تعتبره الدول المستهلكة »صدمة«، لأنه لا يؤثر على اقتصادها، بعكس الصدمتين النفطيتين الأولى والثانية اللتين حطمتا النمو الاقتصادي، وهو ما لن يحدث اليوم. »في 1980 كان يجب توفر برميلين من البترول لإنتاج 0100 دولار من القيمة الإضافية، أما اليوم فنصف برميل من البترول يعادل قيمة الدولارات آنذاك، أي انخفاض القوة النفطية في النمو الاقتصادي إلى الربع«. لقد أضحت أسباب الارتفاع المستمر لأسعار الخام معروفة الآن: أولا، الطلب العالمي في طريقه لأن يتجاوز العرض، وهنا يوضح جون ماري شوفاليي بأننا نجهل حقيقة الدول التي تتسارع فيها وتيرة هذا الطلب... »حذار من أن نبالغ في تقدير وزن الصين التي لا تستورد حاليا سوى 2 إلى 3 ملايين برميل من النفط يوميا مقابل 13 مليون برميل بالنسبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالأمريكيون، الذين يمثلون 5 بالمائة من سكان العالم، يستهلكون ربع الطاقة المنتجة في العالم! ولنسبة نمو اقتصاد هذا البلد، المقدرة ب4 بالمائة حاليا، وزن أكبر إذا ما قارناها بنسبة نمو اقتصاد الصين المقدرة ب10 بالمائة في العام!«. ما يميز وضعية سوق البترول العالمية اليوم هو تلك القوة الكبيرة على مستوى إنتاج البترول الخام وكذا المواد المكررة. وتُعزى هذه الوضعية المتوترة فيما يخص العرض إلى عجز الاستثمار، وحتى الاستثمارات المحققة شهدت تأخرا كبيرا في إنجازها. وسيكون من الصعب استدراك البعد الفاصل بين العرض والطلب. دون أن ننسى الإشارة إلى حدود منظمة الأوبيب في سلطتها في ضبط السوق، فكل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات لا تملك طاقات فائضة. ثمّ، هل بإمكاننا أن نتجنب هذا الارتفاع »المحتوم« في أسعار الخام بتعويض الغاز بالذهب الأسود؟ الإجابة هي نعم، ولكن: 1. المتر المكعب من البترول ينتج ما يضاهي 100 مرة ما ينتجه الغاز، 2. ثم إن نقل الغاز أكثر صعوبة من نقل البترول وتكلفته أكبر ب7 إلى 8 مرات. واستنادا إلى هذه الفروقات، نجد أن هذا التعويض ممكن، ولكنه قد لا يكون وراء تغييرات كبرى في الارتفاع الحالي لأسعار المحروقات. كما يشير البروفيسور جون ماري شوفاليي إلى أن اقتصاد النفط اقتصاد عنيف وأن عنف البترول هذا مرده الرهانات المالية المتعلقة باستغلاله. »فالنفط مادة لا تكلف كثيرا عند الإنتاج، إذ تقدر، اليوم، تكلفة برميل البترول (150 لتر) ب7 دولارات، لكنه يقدر، عند المضخة، ب250 دولار«. وهذا الفارق يذهب قليل منه في النقل وجزء آخر إلى الدول المستهلكة (عن طريق الرسوم) والدول المنتجة وكذلك الشركات وكل الوسطاء. »النفط يدرّ ثورات ضخمة أحسن من الذهب«. إن هذه الوضعية الجديدة التي تسود السوق البترولية العالمية تنادي »صناع القرار السياسي« في الجزائر، وتستفسر منهم كيف »سننفق بترولنا«؟ لن يكون علينا مواجهة نقص فرص الاستثمار، وإنما على العكس كثرة فرص الاستثمار التي يتوجب علينا أن نختار من بينها بتمعن وروية، أي أن نختار وفق الضغوطات والعوائق التي يعاني منها اقتصادنا. وهنا نقول إن هناك عملا ضخما يجب أن يُنجز. لكن، من يضطلع بهذه المهمة ؟ وإننا لعلى دراية بأنه، في مجال الاقتصاد أكثر من أي مجال آخر، من لا يخطو خطوة نحو الأمام يتراجع. إذن، ما السبيل إلى استعمال البترول للخروج من البترول؟ إن الاقتصاد الجديد الذي يساهم في النمو، أي جني الثروات، هو الاقتصاد المبني على أساس المعرفة. فهذا النوع من الاقتصاد أتاح لبعض دول الجنوب فرصة التقدم واستدراك ما فاتها، فالصين والهند وماليزيا وقطر والأردن هي الآن دول باقتصاد متقدم بفضل الاقتصاد المبني على أساس المعرفة. (*) ترجمة: إيمان بن محمد