يتوجه الجزائريون اليوم للمرة الرابعة في عهد التعددية الحزبية إلى مكاتب الاقتراع لاختيار أعضاء جدد في 18 ألف مجلس بلدي وولائي، لكن الموعد هذه المرة سيكون بطعم المقاطعة الشعبية العريضة لموعد التشريعيات الفارطة، تضاف إليها الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد هذه الأيام على وقع فيضانات قاتلة لم ترق رغم الخسائر إلى "كارثة طبيعية" معلنة. الاقتراع الحالي يختلف عن سابقه في الإجراءات الاحترازية التي قام اتخذها وزير الداخلية والجماعات المحلية نفسه نور الدين زرهوني تفاديا لتكرار "الدرس" الذي وجهه الناخبون للجميع سلطة وأحزابا، بمباشرة عملية واسعة لتطهير القوائم الانتخابية حيث يكون عدد الناخبين "الحقيقيين" قد نزل من 18 مليون إلى أكثر من 16 مليون، ما يعني أن تبرير زرهوني المقاطعة الماضية بسوء تسجيل الناخبين لم يكن بذلك الإقناع، وهو ما ذهبت معظم التشكيلات السياسية في حملتها الانتخابية للمحليات في محاولة شرحه وتصور السبب الحقيقي له.. ويذكر أن الأحزاب السياسية ال9 التي خاضت الحملة الانتخابية عزفت مثل العادة على وتر المشاكل الاجتماعية للمواطنين، وزادت عليها شيئا من السياسة بالحديث عن ضرورة إخراج قانون البلدية والولاية على النور، ومنها من سلك طريقا آخر لا يمت بصلة لمستوى هموم المواطن مثل الحديث عن تعديل الدستور والمطالبة بعهدة ثالثة للرئيس بوتفليقة، ومن الأحزاب من ذهب يحلل ويناقش في جذور الأزمة الوطنية، بينما راحت أحزاب أخرى إلى النبش في عيوب السلطة وذكرها بسوء التسيير بينما لم تبتعد منذ نشأتها عن مقاليد الحكم. وكانت فترة إعداد القوائم الانتخابية بالنسبة للأحزاب هذه المرة مناسبة لاشتعال نار الفتنة بين مناضليها كلها دون استثناء، حتى أوشك بيت الحزب العتيد أن يحترق بنار الفرقة والخلافات بين مناضليه من مختلف العصب، وقد طالت اشتعالها أمينه العام حتى داخل قصره الحكومي. فمن حيث المعطيات التي جري فيها هذا الاقتراع، من شأن الأرقام الرسمية التي كشفت عنها الوزارة المنتدبة المكلفة بالجماعات المحلية في تقييمها للعهدة السابقة للمجالس البلدية، أن تنفّر المواطنين أكثر من العملية الانتخابية برمتها، بعدما كشفت معطياتها أن 110 منتخبا سحبت منهم الثقة ودفعوا إلى الاستقالة، فضلا عن وجود ما يقارب 450 منتخبا من بينهم رؤساء بلديات متابعين قضائيا، نصفهم أدانتهم العدالة والنصف الآخر ينتظر دوره في أروقة المحاكم بتهم الرشوة والفساد وخدمة المصلحة الشخصية، فضلا عن اللامبالاة الشعبية بالانتخابات، رغم "تهديدات" زرهوني باعتبار المواطن أصبح يحس أكثر فأكثر باتساع الهوة بينه وبين من يسيرون أموره ابتداء وعلى وجه الخصوص بمسيري البلدية. هذا كله دون الحديث عن الظروف المناخية الخاصية التي خلقت بدورها ظروفا أخص على بعد أيام قليلة من الاقتراع والتي ستجدها السلطة لا محالة مبررا "من ذهب" في حال تسجيل نتائج هزيلة للمشاركة الشعبية في الانتخابات. وللإشارة يسجل مشاركة حزب جبهة القوى الاشتراكية في البلديات والولائيات هذه المرة بينما قاطع في الموعد السابق البرلمان، كما تشارك لويزة حنون وحزبها العمال للمرة الأولى في الانتخابات المحلية، فضلا عن "تطهير" زرهوني لأرضية اللعب من الأحزاب المجهرية بموجب تعديل قانون الانتخابات الأخير، مع الإشارة على أن حزبا كبيرا في المحليات السابقة وحصد أكثر من مليون ونصف صوتا سيدخل محليات 2007 في ثوب حزب مجهري لم يحصل في التشريعيات سوى 3 مقاعد والحديث طبعا عن حزب جاب الله حركة الإصلاح الوطني. غنية قمراوي