لا تزال منطقة القبائل ورغم رياح العصرنة التي عصفت بالمجتمع في السنوات الأخيرة، تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد التي صمدت في وجه التغيير وحتى التحريم وإدخالها في خانة الجهل والشرك، حيث بقيت تمثل جانبا من التراث العريق والمرتبط بحياة اجيال كاملة، استمدت نمط عيشها من معتقدات بقيت راسخة رغم مر الزمن. "انزار" او تقليد الاستسقاء ومواجهة موسم الجفاف في منطقة القبائل، تعد من احدى العادات القديمة التي مازالت الكثير من قرى منطقة القبائل تستحضرها كلما تأخر نزول المطر وعرقل انطلاق الموسم الفلاحي معها، هذه العادة التي ترسخت رغم مرور الزمن، تعود لارتباط العائلات القبائلية بالأرض والفلاحة، حيث يعد كل موسم حدثا جماعيا لا يمكن تجاهله، يحتفل به الجميع دون استثناء في اجواء تحفظ وتضمن الاستمرارية من جيل لأخر. "انزار" هذه العادة التي تحاكي لوحة حية من الزمن الغابر، يكون وحسب المعتقدات والأسطورة المتداولة "اله الماء" الذي طلب الزواج من احدى الحوريات اللائي كن يمرحن في الغدير، وحين رفضته امسك الماء عن الأرض وحصل الجفاف، ولتمطر السماء ثانية يقوم الأهالي بصنع عروس يدوية، تلبس حليا فضية ولحافا حريريا، تجوب به العجائز والأطفال الصغار منازل القرية كلها لطلب الصدقات وينشدون في طريقهم "انزار انزار اربي اسويت ارزار، اتسو النعمة بذرار اترنو ثين اوزغار" بمعنى "انزار انزارا يا ربي اسقها للجذور، تسقى ارزاق الجبال والسهول" وبعد جمع ما يكفي، تنظم الوعدة أملا في نزول الغيث. كل ربة بيت تقدم ما استطاعت من معونة، وتستمر العملية لأسبوع او اسبوعين، حتى يتم جمع ما يكفي لإقامة وعدة في أحد مقامات الأولياء الصالحين، تشرف النسوة على الطبخ وتوزيع الوجبة التقليدية التي تتمثل عادة في الكسكسي، على جميع الزوار من سكان القرية او القادمين للمشاركة في هذا الاحتفال، أملا في نزول الغيث وموسم فلاحي وفير. هذه العادة لا تزال حية لحد الساعة وقد أحيتها العديد من القرى خلال الأسبوع المنصرم، بعد ما بلغ شح الطبيعة ذروته هذه السنة وجفت السدود والينابيع وحبست السماء ماءها.