أخشى ما يخشاه أتباع ومريدو الطريقة التجانية العالمية بالجزائر في الوقت الراهن أن تستثمر بعض الدول التي تضم أتباعا للتجانية بعشرات الملايين، في الصراع الدائر بين غالبية أحفاد مؤسس الطريقة بعين ماضي شمال غرب الأغواط من جهة والخليفة العام الذي لم تمر على ولايته 08 أشهر من جهة أخرى، لنقل الخلافة خارج الجزائر والاستفادة من ثقل التيجانية دينيا ودبلوماسيا. وهي رهانات تجلت قبل اليوم في محاولات سابقة من عدة دول مجاورة في الاتجاه ذاته، لعل أبرزها ما قام به المغرب الشقيق في عهد الملك الحسن الثاني، لنقل مقر الخلافة العامة للطريقة التيجانية إلى فاس حيث ضريح الولي الصالح سيدي أحمد التجاني الجزائري، وفي المنحى نفسه وبغية خلق علاقة موازية أسمت المغرب زاوية فاس بالزاوية الكبرى وبمباركة ودعم من الملك الأسبق جُدد تشييدها وزخرفها وحتى فراشها حتى أضحت محجا دينيا وسياحيا هاما يؤمّه آلاف المريدين وأتباع التيجانية من كل أصقاع العالم. ويبقى العام 1991 شاهدا زمانيا على أولى محاولات الأشقاء المغاربة، تزامنا مع وفادة الخليفة الأسبق سيدي علي التجاني، وهذا بمحاولة المغرب دفع سيدي البشير شيخ الزاوية الكبرى بفاس للمطالبة بالخلافة العامة بوصفه أكبر الأحفاد سنا دون أن تفلح، وبعد وفاة الخليفة العاشر سيدي عبد الجبار شهر نوفمبر 2005 أشرف وزير الشؤون الإسلامية المغربي على جلسة ضمت أحفاد التجانية المتواجدين في فاس وعددهم 17، واقترح عليهم طالبا طرح إمكانية نقل الخلافة العامة إلى المغرب، وقبل ذلك كان الحسن الثاني قد أرسل وفودا إلى عين ماضي حاملين دعوة إلى الخليفة العام سيدي علي الذي توفي العام 1991، لزيارة المغرب، لكن ولخصوصية العلاقة الجزائرية- المغربية آنذاك كان المعني يتحفظ كثيرا عن منثل هذه الدعوات، ويذكر نجل الخليفة سيدي عبد الجبار رحمة الله عليه في لقاء خاص بالشروق أن والده تلقى دعوة مماثلة من الزعيم الليبي معمر القذافي قوبلت آنذاك بالرفض الضمني. ومن الواضح اليوم أن فرصة هؤلاء وأولئك باتت مواتية إلى حد ما في ظل الخلاف المتجدد والصراع القائم بين طرفي النزاع داخل الأسرة التجانية والذي مردّه حسب السيد علي التجاني المدعو بلعرابي رئيس المجلس الأعلى للطريقة التجانية المستحدث، إلى القرار الانفرادي للخليفة الحالي سيدي امحمد بن محمود (73 سنة) القاضي بتوكيل نجله الأستاذ محمد الحبيب وفق وكالة إدارية موثقة تخول له كثيرا من الصلاحيات والمهام ومنها تسيير شؤون الطريقة كيفما كان طابعها، وهي الوكالة التي قال بشأنها نجل الخليفة إنها لا تخرج عن الدوائر المتعارف عليها، مذكرا بالوكالة التي كانت بحوزة أحد أبناء الخليفة السابق متسائلا عن الضرر في ذلك، في الوقت الذي يرى فيه أن المجلس أمره مستحدث ولم يعرف له وجودا من قبل في أعراف وآداب الطريقة، وهو ما جعل الخليفة كما قال يرفضه قطعا. وحول سؤال ل "الشروق" في غياب الخليفة العام الذي علمنا أنه كان في خلوته يتم أذكاره، أجاب نجله بشأن أغلبية الأسرة التجانية الذين باركوا استحداث المجلس الموازي بالقول، الطريقة ليست ملكا لأحد ولا هي حزبا سياسيا وتنظيما إداريا ولم تكن أبدا حكرا على أحفاد مؤسسها. من جهة أخرى يردد رئيس المجلس المستحدث أن زمن المشيخة المطلقة قد ولى وما خيار المجلس إلا رغبة جامحة للنهوض بالطريقة التجانية حتى تلعب دورها الديني والروحي في أوساط الأفراد والمجتمعات الذين يلتف منهم حولها زهاء 500 مليون عبر العالم، ويمثل فيها أحفاد الولي الصالح 104 أفراد من رجالها إلى جانب 17 في المغرب و04 في السينغال و03 في السودان، والحقيقة المرة أن عدد مريدي التجانية بالدول المجاورة يزيد أضعافا مضاعفة عن ما هو عليه الحال بالجزائر ما يعطي للآخرين بعض الشرعية في طلب نقل الخلافة، ولعل السلطة الجزائرية أحست بخطورة الوضع بدليل -حسب معلوماتنا- استدعاء بعض مصالح الأمن لطرفي النزاع لبحث حقيقة الصراع وعلاقاته بالأطماع الخارجية، فهل سيكون الصراع الدائرة فرصة سانحة قد يستثمرها الملك محمد السادس لتحقيق ما عجز عنه والده، وهل أن المجلس المستحدث سيضع الطريقة العالمية على المحك لتكون بداية النهاية، سيما وأن مؤشرات الاتفاق غائبة إلى أن يثبت العكس، ومن يدري؟ الشريف داودي