يستلم الوزير الأول الفرنسي دومينيك دوفيلبان في الأيام المقبلة تقريرا حول ما اصطلح على تسميته ب"االمأساة المخفية: وهران، 5 جويلية 1962"، من إعداد المؤرخين موريس فافر (عسكري سابق برتبة جنرال ومعروف بأفكاره الاستعمارية، وهو مقرب من المتشددين في جمعيات الحركى)، وجون مونيريه (أحد المعمرين الفرنسيين في الجزائر)، وهذا بناء على طلب تقدمت به وزارة الخارجية الفرنسية. رمضان بلعمري وإذا كان التقرير يتحدث في الظاهر عن "عمل تاريخي" محايد قام به الباحثان حول حقيقة الاختفاءات الجماعية لآلاف الأوروبيين عشية استقلال الجزائر أيام الخامس والسادس والسابع جويلية من عام 1962، فإنه في الواقع ليس إلا استجابة ذكية لما كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزيره للخارجية دوست بلازي يطالب به الجزائر من ضرورة إحالة كتابة تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين على المؤرخين، أمام إصرار الرئيس بوتفليقة على تقديم فرنسا لاعتذارات رسمية عما اقترفته من جرائم حرب في حق الجزائريين. وفي هذا السياق، قام المؤرخان بإنجاز "عمل تاريخي تحت الطلب" جاهز للمناورة فيما هو قادم من الأيام بين الجزائر وباريس إذا ما قرر بوتفليقة الاستمرار في مطالبة شيراك بالاعتذار، ويبدو أن باريس التي وجدت نفسها محرجة من طلبات الاعتذار الصادرة من أعلى مستوى في الجزائر، قد أعدت العدة من خلال طبع التقرير التاريخي في شكل كتاب يحمل العنوان "المستفز". ومن جهتهما، فقد وظف الكاتبان بحكم خبرتهما وتواجدهما الشخصي في الجزائر عشية استقلالها، واحد من موقعه كعسكري في المخابرات الفرنسية، والآخر من موقعه كمعمر خضع لقرار الترحيل من البلاد، كل المعلومات المتوفرة حول ملف "الأوروبيين المفقودين في الجزائر"، ليقوما بمحاكمة تاريخية لثورة الجزائر (1954-1962) بوصفها اختتمت آخر أيامها بمأساة في حق المعمرين الأبرياء خصوصا في مدينة وهران التي فقد فيها المئات، بل الآلاف، حسب ما ورد في الكتاب. وقد انفردت أسبوعية "ليكسبراس" الفرنسية في عددها الأخير بعرض مضمون الكتاب، لكنها زادت عليه بعض التعليقات من هنا وهناك في مقال كتبه "بوريس ثيولاي"، ومن ضمن ما جاء فيه تصريحات للمؤرخ بنيامين ستورا أبدى فيها انزعاجه مما أسماه "حرب أرقام" ضحايا الحرب بين الجزائروفرنسا قائلا "حرب الأرقام هذه هي ترجمة لحرب الذاكرة.. كل مجتمع يتمسك بأرقام رمزية وخيالية". وفي هذا السياق مثلا، قدر موريس فابر الذي كتب التقرير - موضوع المقال- رفقة جون مونيريه، حيث صدر الكتاب باسمه، أن عدد شهداء الثورة الجزائرية لا يتعدى 153 ألف شهيد بدل مليون ونصف مليون شهيد الذي أعلنته الجزائر كرقم رسمي منذ الاستقلال. وباستعمال طريقة التلاعب بالأرقام دائما، وصل عدد المفقودين الأوروبيين ومنهم الفرنسيين والحركى على أيدي المجاهدين سقف 25 ألف مفقود ونزل هذا العدد إلى مستوى 2800 مفقود، والغرض طبعا واضح وهو القول بوجود عدد كبير من المفقودين وضحايا "الانتقام الجزائري" من المعمرين والأقدام السوداء الأبرياء العزل عشية الاستقلال. على صعيد آخر، لم تتوقف الزيارات المشبوهة إلى الجزائر وتحديدا إلى عدد من المقابر المسيحية وبعض الأماكن ذات القدسية لدى الفرنسيين، آخرها كانت حسب ما كتبته "ليكسبراس" بشأن زيارة يكون قد قام بها المحقق الخاص جاك بودو، باسم الحكومة الفرنسية، يومي 11 و12 سبتمبر الجاري إلى عدد من المقابر القديمة وأماكن الذاكرة الأوروبية في كل من الجزائرووهران. يحدث كل هذا في الوقت الذي لا ندري ماذا حضر الطرف الجزائري لإقناع نظيره الفرنسي بالاعتراف وتقديم الاعتذار، في ظل تعنت وزير الخارجية دوست بلازي في احتقار الجزائريين، كونه هو من طلب بكتابة مثل هذا التقرير وهو من وقع قبل أن يصبح وزيرا على عريضة رفض من خلالها حضور الرئيس بوتفليقة في الذكرى الستين لإنزال نورماندي التي جرت في الإقليم البحري الفرنسي.