يعتبر الشواء على الجمر أبرز معلم تشتهر به منطقة عين ولمان الواقعة جنوب ولاية سطيف لما يتميز به من جودة عالية تفننت فيها بعض العائلات التي ورثت الحرفة أبا عن جد و هي الآن تستقطب الزبائن من مختلف الأقطار على مدار السنة و حتى في شهر رمضان، ففي عين ولمان ليس هناك أفضل من الإفطار أو التسحّر بشواء اللحم و مشتقاته و كل ما تكرمت به المشواة التي لها تقنياتها و أسرارها. سمير مخربش من زار عين ولمان و لم يأكل شواءها فقد ظلم نفسه، و من تذوق لحومها و لم يعترف بجودتها فهو جاحد أو ناكر للحق لأن شواء هذه المنطقة يكتسي سمعة وطنية ويتنقل من أجله الزبائن من مختلف ولايات الوطن و كل من أراد أن يكرم ضيفه بسطيف، فما عليه إلا أن ينزل به إلى الجهة الجنوبية للولاية . فإذا كانت بسكرة تشتهر "بدوبارتها" و قسنطينة "بشبحتها الصفراء"، فإن أشهر ما في سطيف هو شواء عين ولمان الذي أضحى رمزا للمدينة التي تلتهب يوميا بدخان الفحم. فالمشواة هي أبرز شيء يجلب الانتباه في الشارع الرئيسي والطرق الفرعية للمدينة، حيث يصطف عشرات المختصين في هذه الأكلة الشهية و جميعهم يتقنونها و يقدمونها للزبون بطريقتهم الخاصة و بأطباق متنوعة تمتد إلي مختلف أعضاء الخروف و على الزبون أن يختار بين شواء اللحم أو الكبد أو الكلى... أو القطع المختلفة للحوم التي تحضر بطريقة جيدة وهناك من يقدمها بشكل آخر يعرف باسم اللحم المفوّر و الذي يتمّ طهيه بالبخار و هو وجه آخر لنكهة اللحم بالمنطقة. و المثير للانتباه أن الشواء بعين ولمان لم يعد أكلة عادية فقط بل أضحى حرفة ورثتها بعض العائلات أبا عن جد و كلّها تناقلت سر هذه الحرفة و ظلت محافظة عليه إلي يومنا هذا . و من هذه العائلات التقينا عائلة "دبابي" التي تملك محلاّ للشواء بالشارع الرئيسي لعين ولمان يشرف على تسييره نصير كبابي الذي امتهن الحرفة منذ حوالي 20 سنة و هي الحرفة نفسها التي تفنن فيها والده و جده و كل أفراد العائلة التي كلما ولد عندها مولود احتضنته المشواة . و بالرغم من تشابه طرق تحضير الشواء في نظر الزبائن إلا أن نصير و مساعديه يقولون بأن هناك سرّا في هذا الشأن ، يحتفظون به و لا يكشفونه لأحد، ورغم إلحاحنا اكتفى صاحبنا بالتلميح بأن الأمر يتعلق بنوعية الخرفان التي يذبحونها بأنفسهم ، حيث يختارون أجودها خاصة تلك التي تعيش بمنطقة الجلفة و ضواحيها والتي تتغذى على نبات الحلفاء، و الشائع عن هذه المنطقة أن كل أنواع الشواء المُقطع تكون من لحم الخروف و أما لحم البقر فلا يستعمل إلا نادرا. كما أن جودة هذا الشواء لها علاقة أيضا بالفحم و طريقة استغلاله و فنيات التعامل مع المشواة التي تبقى من أسرار طهي هذه الأكلة، و الجدير بالذكر أن شواء عين ولمان يستهوي الزبائن حتى في شهر رمضان، أين يتسابق الجميع لأخذ أماكنهم في المطاعم المختصة قبل موعد الإفطار و تستمر العملية إلى غاية ارتفاع صوت أذان الصبح، حيث يفضل البعض أن تكون وجبة السحور شواء على الجمر بمختلف الأنواع، و عادة ما يكون الزبائن من المسافرين و سائقي الشاحنات الذين اعتادوا برمجة نزولهم بعين ولمان لتناول ما جادت به مشواة هذه المنطقة، و قد أحدثت هذه العادة حيوية متميزة بالشارع الرئيسي الذي اختلطت فيه زحمة الزبائن بدخان الشواء المتصاعد من كل الجهات و الذي يوحي بأنّ هناك أكلة غير عادية بعين ولمان و بالتالي فالكل مدعوّ طيلة أيام السنة و حتى في شهر رمضان .