شهدت الجزائر منذ حلول فصل الشتاء الحالي تقلبات جوية كثيرة ومفاجئة، حيث يصل الأمر أحيانا إلى حد اجتماع أربعة فصول في يوم واحد، إذ يبدوا مع مطلع الصباح الباكر الجو خريفا ليصير مع منتصف النهار أقرب إلى أجواء فصل الربيعي، غير أنه سرعان ما تتحول الأمور في المساء إلى يومي شتوي ماطر مصحوبا ببرودة عالية، وبقصد تقصي آراء المواطن والوقوف على مدى أخذه لاحتياطاته في خضم تلك الظروف نزلنا إلى الشارع «عاصمة الأوراس» باتنة وحاولنا من خلاله الوقوف على حقيقة يومياته وسط تلك الأجواء، لتبين لنا وقتها أن هناك العديد من المواطنين من يجدون أنفسهم في صراع دائم مع انتقاء الملابس التي تتلاءم والأجواء الحاصلة، وتزداد حيرتهم أكثر فأكثر في حالة ما إذا كانوا يخططون للسفر إلى مناطق أخرى بعيدة عن مقرات سكناهم. وهو ما يعانيه سكان دوائر «عين التوتة»، «بريكة»، «مروانة»، «رأس العيون» و«نقاوس»، وفي كل الأحوال يبقى المتضرر الأكبر في كل هذا طلبة جامعة باتنة الذين أصبحوا لا يفوتون الترقب اليومي للنشرات الجوية من أجل الإطلاع على حالة الطقس المرتقبة بالغد، وذلك بغية أخذ جانب أكبر من الحيطة، إلى جانب احتراسهم من تبعيات الأحوال الجوية السيئة والتي قد تتسبب في وقوع حوادث مرورية خطيرة متبوعة بتسجيل خسائر في الأرواح. الاحتياط من التقلبات الجوية لا يوضع في الحسبان وقد وقفت «الأيام» على حقيقة ذلك من خلال هذا الاستطلاع الذي حاولنا من خلاله تقصي آراء العديد من المواطنين بالولاية في الموضوع قيد الطرح، حيث كشف بعضهم أنهم كثيرا ما يقعون ضحايا للتقلبات الجوية ويدفعون ثمنها غاليا في حالة عدم احتراسهم من كل جديد في الطقس، وينتهي بهم الأمر في كل الأحوال بتحملهم للبرودة العالية وتزداد معاناتهم أكثر في حالة تبلل أجسامهم وبفعل تهاطل الأمطار بغزارة،وهو ما يعيق عملية تنقلهم، ومن شأن ذلك أن يكلفهم ذلك مضارا أبسطها على الإطلاق إصابتهم بنزلات برد تتحول إلى زكام، ووقتها سيضطرون إلى ملازمة الفراش لأيام طويلة، غير أنه وبمجرد أن يلمسوا تحسنا بسيطا في الجو من خلال سطوع بسيط لأشعة الشمس يسارعون إلى تغيير ملابسهم وارتداء أخرى خفيفة، ظنا منهم بأن الجو صار صحوا وجميلا بباقي ساعات النهار، وهو ما يجعلهم يعتقدون بعدم ضرورة ارتداء المعاطف وتكثيف عدد الألبسة، كما أن الكثير منهم لا يرغبون في حمل المظلات، وهو ما أكدته لنا الآنسة «سعاد» من منطقة «تازولت»، مضيفة في معرض حديثها أن هؤلاء سرعان ما يصادفون بعد مرور ساعات قليلة بتغير ألوان السماء وتلبدها بعد اختفاء الأشعة الدافئة، لتظهر مكانها سحب كثيفة يتحول لونها الأزرق إلى رمادي ويكون متبوعا بتهاطل للأمطار. الزكام نصيب غير المحتاط لتردي أحوال الطقس وأمام هذه الحالات التي لم تكن متوقعة، يبدأ هؤلاء الأشخاص في التذمر والاستياء ويتعداهم إلى الشعور بالغضب الشديد، الأمر الذي يؤثر حتى على بقية يومهم سواء كانوا عمالا أو طلبة، ويتبع ذلك الشعور بالندم لعدم تتبع النشرة الجوية في محاولة منهم لتجنب حدوث تلك الصور التي تجعلهم يندمون على خروجهم في ذلك اليوم السيئ، وهو أمر يحدث في الغالب عند الأشخاص الذين يمارسون عملا معينا ويضطر ذلك إلى مغادرة البيت في وقت مبكر، وهو ما يصعب عليهم معرفة حقيقة وطبيعة التوقعات لذلك اليوم، وهو ما يجعلهم يدخلون في دوامة من التساؤلات حول ما يمكن أن يلبسوه في هذا الفصل، حيث ينخدع كثيرون وفي معظم الأيام الشتوية بالأجواء الصاحية، علما أن الجو في الحقيقة يبقى مغيما وباردا مصحوبا بحرارة مرتفعة نوعا ما، وهذا ما يفتح أمامهم الباب لطرح استفسارات عريضة حول الأجواء المرتقبة خلال اليوم الموالي وباقي أيام الأسبوع، محاولين بذلك تفادي الوقوع في نفس الهفوات التي سبق وأن تعرضوا إليها سابقا، فيما يقع أشخاص آخرون في مواجهة حتمية مع أجواء باردة غير أنهم وللأسف لم يضعوا في الحساب احتياطات تمنع عنهم قساوة الجو وبرودته العالية، وهو ما يؤدي إلى الإصابة بمرض الزكام نتيجة التبلل بالأمطار. مواطنون: «تتبع النشرات الجوية مضيعة للوقت» ! فاجأتنا ردود أفعال بعض المواطنين عندما سألناهم عن دور النشرات الجوية في تحديد توقعات الجو، وذلك بعد أن صرحوا بأنهم لا يعتبرونها إلا مضيعة للوقت، وعلى عكس هذه الفئة فإن مشاهدات النشرات الجوية تشكل جزءا هاما في حياة بعض سكان باتنة، وذلك بالنظر إلى دورها الفعال في جعلهم يتخذون كامل احتياطاتهم من حيث نوعية الملابس التي يمكن أن يرتدوها خاصة في فصل الشتاء، والذي يصعب فيه ضبط نوعية الجو المتوقع بين يوم وآخر، وعلى هذا الأساس فقد وجدوا في الاطلاع على النشرات الجوية الحل الأنسب والملائم، فهي على حد تعبيرهم الوسيلة المثلى لتجنب التعرض إلى تلك التغيرات الطارئة والمفاجئة إما بالارتفاع المحسوس في البرودة أو غزارة الأمطار، وتختلف الطرق التي يتابع بها هؤلاء التنبؤات الجوية فالبعض يفضل الاطلاع عليها عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية، وآخرون يفضلون الولوج إليها مباشرة عبر الشبكة العنكبوتية والدخول إلى الموقع الخاص بالديوان الوطني للأرصاد الجوية، في حين يواظب فريق آخر أمثال «الطاهر» و«يوبا» وهما طالبان على معرفة الأحوال الجوية ومستويات البرودة والحرارة من خلال الاستماع المتكرر إلى النشرات الجوية التي تبث عبر أمواج إذاعة باتنة الجهوية، هذه الأخيرة التي تذكر المستمعين من حين لآخر بمختلف التنبؤات الجوية خاصة منهم أصحاب السيارات وذلك لأجل تذكيرهم الدائب بوجوب الحذر أثناء القيادة لاسيما مع حالات وجود الجليد على اعتبار أن من شأنه أن يتسبب في وقوع انزلاقات قد تخلف كوارث وخسائر كان من الممكن تفاديها. دنيا: «ما حصل معي يومها درس لن أسمح بتكراره مجددا» كما أن تلك النشرات ستسمح بتقديم معلومات مفيدة للأشخاص الذين يقطنون في مسافات بعيدة بين منازلهم ومقرات عملهم أو مؤسساتهم الدراسية، وفي هذا الشأن أكدت لنا الآنسة «ب.دنيا» بأنها في فصل الشتاء تجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع نوعية الجو خاصة وأنه يعرف التقلب باستمرار ولعدة مرات في اليوم، وقد سبق لها وأن وقعت ضحية لذلك، حيث راحت في هذا الصدد تروي لنا ما حصل لها مرة فقبل مغادرتها المنزل لاحظت بأن السماء كانت صافية وبناءا على ذلك لم تكلف نفسها عناء ارتداء ملابس شتوية، حتى أنها اكتفت بقميص خفيف ظنا منها بأن الجو معتدل، إلا أنها وبعد منتصف النهار تفاجأت بتقلبات جوية تختلف كليا عن تلك التي كانت تميز الصبيحة، ففي لمح البصر تكاثفت السحب وسرعان ما أخذت تتضاعف وتتهاطل معها الأمطار بغزارة، وقد خيل لها وقتها بأن الطريق من الجامعة إلى بيتها يزداد بعدا، وذلك نتيجة لعدم تمكنها من السير بدون مظلة، وعند وصولها إلى المنزل ولحظة مشاهدة الوالدة لها في وضع مخيف بعد أن صارت مبللة بالكامل بالمياه، فما كان لها وقتها إلا أن تعتبر من تلك التجربة، وأصبحت لا تنقطع عن متابعة النشرات الجوية عبر التلفزيون حتى تبقى على علم بمختلف التوقعات الحاصلة على مدار الأسبوع، مؤكدة أن ما مرت به درس لن تسمح بتكرر حصوله معها بعد الآن خاصة وأنها تعرضت لزكام ألزمها الفراش لعدة أيام. أجواء فصول زمننا هذا تختلف عن زمن السلف أما «بديعة» فهي الأخرى أكدت لنا بأنها تدرك جيدا بأن الأجواء في فصل الصيف في تغير دائم على اختلاف زمن أسلافنا، تجدها أحيانا ربيعية وسويعات أخرى صيفية، فيما تتحول الأجواء في أحيان كثيرة وكأنه يوم أتى حينه بعد أنة تخلف من الشتاء، وهنا يكون المشكل بالنسبة للأشخاص الذين لم يتخذوا احتياطاتهم اللازمة، مضيفة بأنها تحمل دائما مظلتها في حقيبتها، هذا إلى جانب ارتدائها لمعطف وهذا تفاديا لكل ما يمكن أن يحصل من تقلبات جوية كبيرة، لاسيما أنها تضطر لمغادرة منزلها في الساعات الأولى من الصباح، ولا تعود إليه في الساعة السادسة مساءً وذلك بحكم عملها بإحدى مراكز التكوين المهني والتمهين. نسيمة: «النشرات الجوية لقنواتنا لا تقدم الحقيقة إطلاقا» أما «المين» وهو عامل بأحد محلات سوق الجملة، فعبر عن عدم اكتراثه لكل التقلبات الجوية التي تشهدها مدينة باتنة هذه الأيام، لأنه يملك سيارة حيث عادة ما يفضل ارتداء ملابس ربيعية، أما «نسيمة»فراحت تصرح ل"الأيام" بأنها لا تثق أصلا بما تبثه النشرات الجوية الوطنية التي تعرض يوميا على شاشة التلفزيون الجزائري، مضيفة أن ما يصرح به بعيد كل البعد عما هو حقيقي، حيث توهمنا مرة بأن الأجواء ستكون صحوة في بعض الأحيان وفي البعض الآخر ستكون مصحوبة بالثلوج، بينما يحدث العكس من ذلك في الواقع، وتبعا لذلك فإنها تفضل تتبع الأحوال الجوية ومستجداتها عبر شبكة الانترنيت، انطلاقا من قناعتها أن تعتبرها أكثر صدقا، ولعل عدم اكتراثها بالأحوال الجوية هو كونها صاحبة محل كبير للحلاقة وبه كل متطلبات الدفء والراحة ولا تغادره إلا لدخول منزلها المحاذي لمحلها. نشير في الأخير إلى أنه لا يمكن التحكم في التغيرات الجوية بنسبة 100 بالمائة، فعلى الرغم من تمكن علم الفلك من رصد التغيرات والتنبؤات بالوضعية المرتقبة، إلا أنه لا يجب أن ننسى بأن الحيطة والحذر أمران ضروريان في كل الأحوال لاسيما خلال الأايام الشتوية الماطرة، ما يعني أن صحو الأجواء حينها لابد ألا ننخدع بها مهما بدا لنا ذلك، وأنا لابد من أخذ الاحتياط الكافي تجنبا للإصابة بالأمراض مثلا.