جاءت زيارة وزير الخارجية مراد مدلسي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظرف حساس يميزه تدهور الوضع الأمني في المنطقة بسبب الصراع الدائر في ليبيا، وكذا التحولات الحاصلة في المنطقة، وتمثل الزيارة جزءا من التحركات التي تقوم بها الدبلوماسية الجزائرية من أجل شرح موقفها وتصحيح بعض المغالطات القضية الأساسية التي بحثها مراد مدلسي في واشنطن هي الوضع القائم في ليبيا وتداعياته على استقرار المنطقة، حيث استغل مدلسي الفرصة من أجل شرح موقف الجزائر من هذه المسألة وهو موقف يقوم على الاحترام الدقيق لقراري مجلس الأمن الدولي 1970 و 1973 وعلى ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وهذه النقاط بالذات تمثل ردا صريحا على الاتهامات التي طالما وجهتها المعارضة الليبية للجزائر بالوقوف إلى جانب العقيد القذافي ودعمه بالسلاح والمرتزقة، ويبدو واضحا أن الخلاف السياسي بين الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية في كيفية معالجة الأزمة الليبية لم يؤثر إلى حد الآن على العلاقات الثنائية، كما أن واشنطن تبدو غير مقتنعة بالاتهامات الموجهة للجزائر بخصوص ليبيا، لكنها في مقابل ذلك تأخذ على محمل الجد المخاوف التي عبرت عنها الجزائر من إمكانية استغلال التنظيمات الإرهابية للوضع في ليبيا من أجل الحصول على السلاح وتوسيع نطاق نشاطها في المنطقة، وقد وصل الأمر بواشنطن إلى حد مساءلة المعارضة الليبية حول معلومات تشير إلى وجود عناصر إرهابية تقاتل في صفوف المعارضة الليبية النقطة الأساسية التي تحكم العلاقات بين البلدين هي مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني ولعل هذه النقطة هي التي تقلل من تأثير اختلاف المواقف السياسية بخصوص بعض القضايا الثنائية على هذه العلاقات، وقد أشارت كاتبة الدولة الأمريكية هيلاري كلينتون إلى هذا الأمر عقب لقائها مراد مدلسي بالقول : "نحن ممتنون جدا للجزائر لتعاونها في مكافحة الإرهاب والقضايا الأمنية وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك"، وهنا يبدو أن الجزائر سعت إلى إيصال وجهة نظرها بخصوص التداعيات المحتملة لما يجري بليبيا خاصة ما تعلق بتسلل الإرهابيين إلى ليبيا وحركة السلاح ، وفي أعقاب لقاء مع منسق مكافحة الإرهاب بكتابة الدولة الأمريكية دانيال بنجامين، أشار مدلسي إلى التطور الملحوظ في التنسيق بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وحذر من تبعات الأزمة الليبية على المنطقة لاسيما في الساحل الإفريقي، مع تنامي "ظاهرة المتاجرة في الأسلحة وتبييض الأموال"، ومن جهته قال دانيال أن التنسيق بين البلدين وصل إلى درجة "النضج القضية الأخرى التي كانت محور المباحثات التي أجراها مدلسي في واشنطن هي الإصلاحات التي أقرها الرئيس بوتفليقة حيث أكد مستشار الرئيس أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب جون بريمن في بيان أصدره بعد لقاءه مدلسي أن واشنطن: "تشجع الجهود المستمرة التي تقوم بها الجزائر، والمتعلقة بالإصلاحات لتلبية تطلعات الشعب الجزائري"،ومن جهته رحب مساعد كاتبة الدولة للشؤون الخارجية وليام بيرنز ب"التزام الجزائر بالنهج الاستباقي في الإصلاحات"، ووصف العلاقات بين الجزائروواشنطن بأنها "وثيقة واشنطن التي تدعو إلى إصلاحات سياسية في المنطقة أشارت إلى دعمها قرارات الرئيس بوتفليقة بهذا الشأن، لكنها تطالب بتجسيد تلك الخطوات من أجل الاستجابة لطموحات الشعوب، وهو موقف عام يطبع السياسة الخارجية الأمريكية منذ فترة، فقبل الثورة التونسية كانت كاتبة الدولة الأمريكية هيلاري كلنتون قد أكدت في منتدى عقد في دبي ضرورة أن تجري الأنظمة العربية إصلاحات وأن تنفتح أكثر على مطالب شعوبها ورغبتها في العيش في ظل الحرية والكرامة، وقد تعزز هذا الموقف بشكل واضح بعد انهيار النظامين الحاكمين في تونس والقاهرة بما جعل واشنطن تسعى إلى الاقتراب أكثر من شعوب المنطقة وتعمل على تعديل سياساتها بما يجعلها تظهر أكثر توافقا مع الشعوب لا مع الأنظمة الزيارة التي ستقوم بها كلنتون إلى الجزائر قبل نهاية السنة الجارية ستكون فرصة أخرى لتعزيز العلاقة الوثيقة بين البلدين، وسيكون توقيتها بالغ الأهمية، فمن المفترض أن تكون الإصلاحات قد قطعت شوطا بعيدا من خلال اعتماد القوانين الجديدة التي تنظم الحياة السياسية وخاصة قانوني الانتخابات والأحزاب، فضلا عن قانون الإعلام الذي من المفترض أن يوسع مساحة حرية التعبير في البلاد، وهي كلها عوامل يمكن أن تعزز الثقة بين البلدين بالنسبة للجزائر يمثل الموقف الأمريكي المتوازن مكسبا للدبلوماسية الجزائرية التي تكون قد قامت بهذا التحرك من أجل تصحيح الصورة المشوهة التي أرادت أن ترسمها بعض الأطراف وخاصة فرنسا والمعارضة الليبية للتشكيك في الموقف الجزائري من الصراع الدائر في ليبيا، كما أن التوجه إلى واشنطن رأسا يعني شرح وجهة النظر الجزائرية بشكل مباشر للطرف الأكثر تأثيرا في المنطقة وعلى الساحة العالمية، وهذا يمثل ردا واضحا على فرنسا التي أرادت أن تستغل الورقة الليبية من أجل إحراج الجزائر والضغط عليها إقليميا