تغذي الفضيحة التي تعصف بكرة القدم الفرنسية الجدل العنصري الذي يأخذ أبعادا مخيفة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها بعد عام من الآن، ويبدو واضحا أن العداء للمهاجرين تحول من ورقة انتخابية إلى موضوع يهدد بحدوث انقسام كبير داخل المجتمع الفرنسي. تسعى السلطات الفرنسية إلى التغطية على الفضيحة التي كشفها الموقع الإخباري الفرنسي "ميديابارت" الذي نشر محاضر اجتماعات لمسؤولي كرة القدم الفرنسية حيث جرى الحديث عن خطة غير معلنة من أجل الحد من دخول العرب والأفارقة إلى مراكز التكوين في كرة القدم لأن أولئك قد يختارون اللعب لمنتخبات بلادهم الأصلية. وعلى خلاف المواضيع الحساسة الأخرى التي تخص الهجرة وحظر الرموز الدينية في المدارس، ثم حظر النقاب، وسحب الجنسية من الفرنسيين من أصول مهاجرة في حال إدانتهم بجرائم ضد أعوان الأمن العمومي، ثم قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، فإن مسألة غلق أبواب التكوين الرياضي أمام أبناء المهاجرين نقلت الجدل إلى فئات أوسع من المجتمع الفرنسي، وإلى حد الآن بقي النقاش حول قضايا الهوية والعلمانية والمهاجرين محصورا في أوساط النخب السياسية والإعلامية، أما الحديث عن التقليل من دخول العرب والأفارقة إلى مراكز التكوين في كرة القدم فقد أخذ طابعا عنصريا لا يمكن الدفاع عنه، وهو ما دفع وزارة الرياضة الفرنسية إلى توقيف المدير التقني الوطني الفرنسي الذي يشغل منصبا في الوزارة فضلا عن منصبه في اتحادية كرة القدم، كما جرى الحديث عن إمكانية إيقاف المدرب الوطني لوران بلان الذي صدرت عنه تصريحات وصفت بأنها عنصرية رغم أنه حاول تقديم وجهة نظره على أساس تقني من خلال الدعوة إلى تغيير أسلوب اللعب الفرنسي والتركيز على ما أسماه أسلوب اللعب الذكي بدل التركيز على القوة البدنية التي تزيد من حظوظ اللاعبين العرب والأفارقة في دخول المنتخبات الفرنسية، غير أن هذه الأساليب الملتوية في طرح مشروع الحصص هذا لا تستطيع أن تخفي تصاعد التطرف القومي والذي يذهب ضحيته في العادة الفرنسيون من أصول مهاجرة، ويتغذى الشعور العنصري من خطاب سياسي يميني أصبح يهيمن على الساحة السياسية والإعلامية الفرنسية منذ سنوات. المواعيد الانتخابية في فرنسا أصبحت مناسبة لإحياء الجدل حول الهوية الوطنية والدين والعلمانية، فقد جعل حزب اتحاد الحركة الشعبية الذي يقوده الرئيس نيكولا ساركوزي هذه القضايا جزء من خطته السياسية للبقاء في الحكم وهو ما جعله يدخل هذه القضايا إلى دائرة الاهتمام الرسمي بدل إبقائها ضمن نقاش النخب المثقفة، وقد أصبح هذا النقاش ساحة أساسية للصراع بين حزب ساركوزي والجبهة الوطنية التي تقودها مارين لوبان والتي يقول الفرنسيون إنها استطاعت أن ترسم صورة جديدة للحزب الذي ظلت تهمة العنصرية تطارده، وإن كانت الرئيسة الجديدة ستذكر الفرنسيين بوالدها ومؤسس الحزب جان ماري لوبان فإنها في المقابل تعطي صورة مغايرة عن الحزب وهو الأمر الذي وعدت به قبل توليها هذا المنصب، ففي تصريح لها قالت إنها تسعى إلى السلطة، بما يعني أن الحزب لن يكتفي مستقبلا بلعب دور المعارض الشرس للحكومات المختلفة بل يريد أن يكون أكثر براغماتية ويعدل مواقفه السياسية بما يمنحه فرصة الحصول على أغلبية أصوات اليمين التي تذهب الآن إلى حزب ساركوزي وتتشتت بين بعض أحزاب الوسط أيضا، ويلخص أحد الساسة الفرنسيين هذا الصراع بالقول إحدى أهم القضايا التي يركز عليها اليمين بشقيه هي وضع المسلمين وكيفية التعامل معهم، فلم يكن من الصدفة في شيء أن تهاجم مارين لوبان المسلمين بالقول إن صلاتهم في الشوارع تذكر بصورة فرنسا أيام الاحتلال النازي، وقد كانت تلك التصريحات إعلانا ببداية المعركة بين التيارين الأساسيين الممثلين لليمين الفرنسي، وكانت تصريحات مارين امتدادا لما أقدم عليه والدها عندما قرر خوض انتخابات المناطق التي جرت في شهر فيفري من العام الماضي التحول الذي بدأ ينذر بمزيد من الانحراف في فرنسا هو توسع دائرة القرارات الموسومة بالعنصرية لتشمل فئات واسعة من المهاجرين بمن فيهم الفئات الشابة التي لا يمكن أن تنسب لها أي انتماءات سياسية أو ولاءات، ولعل هذا ما جعل باريس تشعر ببعض الحرج وتحاول تقديم كباش فداء من أجل طي هذه الصفحة إلى حين إعادة تنشيط هذا الجدل بأساليب أخرى مع اقتراب الانتخابات.