يصف المقربون من محمد دحلان، المستشار الأمني للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بأنه الشخصية السياسية الفلسطينية القادرة على إدارة الصراع مع حماس وبأنه الرجل الثاني في حركة فتح بعد ياسر عرفات الذي لديه القدرة على التفاوض مع الإسرائيليين، فالرجل بدأ مساره السياسي والنضالي في مرحلة الشباب بتأسيس شبيبة فتح في بداية الثمانينيات في قطاع غزة حيث ولد في مخيماتها للاجئين، فقد صقلته بيئته الجغرافية والاجتماعية وعلمته بأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة. فقطاع غزة لوحده سجن كبير للفلسطينيين تمنحهم الظروف الأمنية والظلم الصهيوني الوعي الوطني، فجغرافيا قطاع غزة كانت دائما بالنسبة لصانعي القرار في الكيان الصهيوني بمثابة الشوكة في الحلق التي تمنعهم من ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهو ما جعل المقولة المنسوبة لغولدا مائير وغيرها أن تتمنى أن تستيقظ يوما وتجد البحر قد التهم غزة حتى ينتهي معها الانتفاضات المستمرة والمقاومة الدائمة. كما أن الأوضاع الاجتماعية المزرية لمعظم الفلسطينيين في قطاع غزة ومن بينهم محمد دحلان، الذي نشأ في عائلة فقيرة، جعلته يدرك أن تغيير أوضاعه الاجتماعية مرهون بتغيير الأوضاع السياسية والأمنية، وكلفه نضاله السياسي والثوري في فتح دخول السجن مرات عديدة ما بين 19861819لكن هذه الحياة النضالية في ظل تنوع وتشتت الفصائل الفلسطينية جعلته كذلك يبحث دائما عن الريادة السياسية في الساحة الفلسطينية ويصطدم بالمنافسين، فكانت مواجهاته الأولى مع جماعة الإخوان الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة، وأغلبهم أصبحوا في حركة حماس والحكومة المقامة في القطاع، وهو ما يفهم من ذلك الصدام الشديد بينه وبين منافسيه السياسيين الذين استطاعوا أن يطردوه وقواته الأمنية بعد أحداث صيف 2007من غزة، وأصبح ينظر للعبة السياسية مع حماس على أنها لعبة صفرية لا مجال للتفاوض أو المساومة معهم إلا بطردهم من القواعد الأمنية التي كانت تحت قيادته، وعليه فإن كل المفاوضات الجارية بين فتح وحماس في ظل قوة دحلان تجعلها تسير في الطريق المسدود لأن كل واحد يعتقد أنه مهدد في وجوده بالطرف الآخر، وهو حال الجولات الست من المفاوضات في القاهرة وحال الورقة المصرية الضاغطة نحو المصالحة. بينما خصوم محمد دحلان يصفونه بكل الصفات التي وضعها نيكولا ميكافيلي في كتاب الأمير، فالغاية بالنسبة إليه تبرر الوسيلة، وقد أدرك باكرا أن قوته السياسية يستمدها من فوهة البندقية والقوات الأمنية، وهو ما جعله يظفر في البداية بإدارة القوات الأمنية في قطاع غزة تدور في فلكه وتدين بولائها له. وكما أن القوة تتطلب الثروة فقد تحولت قوة الثورة عند دحلان إلى قوة الثروة، فأصبح مالكا لأضخم فندق ذي النجوم الخمسة في الشرق الأوسط. ويتساءل خصومه من أين له بهذه الثروة التي جعلته يكسب فندق الواحة في أجمل موقع بحري على المتوسط، فلم يكن في البداية إلا ابن فقير لا يملك الثروة أو الإرث المالي التي تجعله ينتقل إلى بحبوحة مالية تضعه في مصاف الشخصيات السياسية الغربية من أمثال برلسكوني في إيطاليا. وهنا يتهم دحلان بكل أنواع الفساد المالي تبدأ القصة مع فضيحة معبر كارني المتعلقة بتحويل 40بالمائة من الضرائب المحصلة من الاحتلال على رسوم المعبر، والمقدرة بمليون شيكل شهريا، حولت لحساب شخصي لدحلان. واستطاع من خلال بناء الثروة والتحكم في الأصول المالية أن يخلق حوله زبائنية سياسية، يضغط على خصومه في حركة فتح وخارجها، فناور عرفات وضغط عليه عندما كان في السلطة في رام الله بحيث غير كل الخريطة البشرية لفتح في غزة وأصبح 09 بالمائة منهم من أتباعه، حتى عندما أراد الراحل ياسر عرفات أن يمارس سلطته على دحلان برفض تعيينه في منصب وزير الداخلية، استطاع دحلان أن يتحالف مع عباس كرئيس للوزراء وينزعا كل الصلاحيات الأمنية من رئاسة عرفات ويحولاها إلى الحكومة، حتى إذا جاءت حكومة حماس بعد الانتخابات التشريعية التي فازت بها قام كل من عباس ودحلان بتغيير السلطات الأمنية من الحكومة إلى الرئاسة، وهو إدراك ميكافيلي، سلطتك بمدى طلقات الرصاص، وهو الصراع الجوهري بين فتح وحماس في المصالحة الوطنية، حيث لجنة الأمن لا تزال غارقة في إعادة تشكيل القوات الأمنية ومن يسيطر عليها. كما أن شخصية دحلان توصف بقدرتها على المناورة والتحالفات الظرفية البراغماتية، واستطاع أن يقنع الدوائر الغربية بأنه الشخصية القادرة على إدارة الصراع مع الإسلاميين وحسم اللعبة السياسية في الاتجاه الذي يعطي للبعد التفاوضي والسلمي مع إسرائيل قوته وديمومته، وهو ما جعل الحنفيات الغربية تصب في جيب دحلان وقواته الأمنية في قطاع غزة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، حتى أصبح بالنسبة لخصومة العميل الذي توظفه وكالة الاستخبارات الأمريكية، وهو التصريح الذي أدلى به رجل المخابرات الأمريكي، ويتلي برونر، الذي أكد أن دحلان تم تجنيده في تونس في الثمانينيات لصالح الوكالة، ليصبح القوة الضاربة لها. وهي الصورة التي لا ينفيها دحلان عن نفسه، فهو يريد أن يحيط نفسه بهالة أمنية تجعل خصومه يهابونه وفق مقولة ميكافيلي، أن تكون مرهوب الجانب وليس محبوب الجانب، وإن استدعى الأمر التحالف مع الشيطان نفسه، حتى ولو كان هذا الشيطان على هئية الكيان الصهيوني، وهو ما سرب من تفاصيل عن اتفاق بين دحلان ومسؤولين في الشين بيت في منتصف التسعينيات فيما عرف بخطة روما لاحتواء حركة حماس. وكان دحلان يصنع صورته السياسية لدى الآخرين في الخارج بأنه الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه، فاستقبلته واشنطن وعانقته وصافحته في الوقت الذي أدارت ظهرها لعرفات الذي رفض أن يطبق ما طلب منه بنزع البندقية من المقاومة والتفاوض بغصن الزيتون، فقال مقولته المشهورة: ''يريدونني أن أكون كذكر النحل ألقح الملكة ثم أموت''، إدراكا منه بأن القضية الفلسطينية تحيا وتستمر بغصن الزيتون والبندقية، حتى إذا ضغطت إسرائيل بقيت الرصاصات هي الطريق لفرض الشروط فوق طاولة المفاوضات، لكن كان دحلان يراوغ عرفات ويقدم نفسه على أنه القادر على القضاء على الإسلاميين في غزة وإسقاط البندقية والتفاوض بغصن الزيتون، وهي البراغماتية التي سقط فيها دحلان، فالفقير ليس لديه ما يخاف عليه أما الثروة فهي عدوة للثورة، تصبح الحسابات كلها قائمة على مبدأ الحفاظ على الممتلكات الشخصية والمنافع الدنيوية، فكان ذلك منطق انتقال دحلان من الفقر إلى الثروة، الذي وسع من دائرة أعدائه حتى في داخل حركة فتح، فاتهمه فاروق القدومي بأنه وعباس وراء تسميم عرفات وهو ما تناقله الأخبار من حوار دحلان موفاز الذي أكد له أن لديه الوسائل الكفيلة بالقضاء على صلابة عرفات، كما توسع العداء حتى مع حليفه عباس وكان واضحا في المؤتمر السادس لفتح في بيت لحم أن دحلان يبحث عن تلطيخ صورة عباس لأنه ساهم في تقديم قطاع غزة على طبق من ذهب لحماس بقبوله إجراء الانتخابات التي كان يرفضها دحلان، وتصاعدت الملاسنات ليرد الطيب عبد الرحيم، الأمين العام لرئاسة عباس، بأن فساد دحلان ورجاله في غزة هي التي رفعت من أسهم حماس في الشارع الفلسطيني، وكانت الفرصة الأخرى لدحلان أن يظهر بصورة المصلح والمناضل عندما انتقد عباس في قضية طلبه تأجيل تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي صفة الانقلاب الدائم لدحلان على حلفائه، فحقا سيبقى دحلان شخصية سياسية فلسطينية تثير الكثير من الألغاز في علاقاته بعرفات وتسميمه، في علاقاته بالسي.إي.أي وعلاقاته بالشين بيت، وفي الثروة التي جمعها في ظرف قياسي، فهل سيكون دحلان هو الرئيس البديل لعباس الغارق في الفضائح المالية لنجليه، والغارق في ملف غولدستون؟