بعدما ترأس الحكومة خمس مرات: أحمد أويحيى.. يبحث عن الاستقرار في قصر المرادية أويحيى مشهور بترديده لوصية والده بأنّ "الوصول درجة درجة" أثبتت التجربة الجزائرية على مر السنوات الماضية، أنّ الطامحين الحقيقيين للتربع على عرش قصر المرادية، ليسوا بالضرورة أولئك الذين يعلنون ويصرحون برغباتهم وطموحاتهم "الرئاسية"، ولعل اسم رئيس الحكومة الأسبق، وأحد الأسماء التي طبعت الحياة السياسية الجزائرية طيلة عشرية كاملة، والأمين العام السابق لحزب "الأرندي"، أحمد أويحيى، قد يكون واحدا من تلك الرجالات التي تدخل في خانة الأكثر حظا لتولي زمام أمور الجزائر خلال مرحلة ما بعد 2014. ورغم أنّ أويحيى لم يعلن صراحة عن نيته في الترشح لهذا الموعد الرئاسي، إلاّ أنّ اسمه يأتي ضمن قائمة الأسماء المعنية أكثر باستحقاق 2014، فسلوكات الرجل في الأمس، لمّا كان وزيرا أولا واليوم وهو خارج الحكومة، تنضح بكل ما يعبر عن حلم الاستقرار يوما في قصر المرادية. البعض استعجل في حكمه على استقالة أويحيى من منصب أمين عام "الأرندي" بعد إقالته من الحكومة، بأنّه "رحيل دون عودة"، فقد يتبين مستقبلا أنّ ما أثير هنا وهناك لا يعدو أن يكون قراءة في فنجان. سي أحمد، كما يناديه مقربوه وقياديو ومناضلو "الأرندي"، صاحب الستينيات من العمر، لا يزال شابا بعمر السياسة والإدارة والسلطة، فلا أحد ينكر دهاء الرجل السياسي، وتمتعه بمواصفات رجل الدولة وقدرته العجيبة في إقناع الناس، ولو اضطر لاستخدام اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغات العديدة التي يتقنها. وحتى إقناع أصحاب القرار والسلطة بأنّه الخيار الأفضل، فالرئيس بوتفليقة الذي أقاله من رئاسة الحكومة سنة 2006 واستبدله بعبد العزيز بلخادم، لم ينتظر طويلا ليعود عن قراره ويستنجد به ويعيده مرة أخرى لقصر الدكتور سعدان، نتيجة لاطلاعه على الملفات الحساسة للسلطة وتمرسه في إدارة الحكم، خاصة أنّه شغل منصب رئيس حكومة 5 مرات منذ سنة 1995. أحمد أويحيى، ذلك الرجل الذي عرف من أين تؤكل الكتف، وعرف كيف يشق طريقه في صمت، فبقي بعيدا عن الضجة السياسية، وظلّ يتدرج في سلم السلطة وصناعة القرار شيئا فشيئا إلى أن وصل لأعلى مناصب الحكومة، وصنع لنفسه اسما ومجدا حتى صار حديث العام والخاص مرشحا لأعلى منصب في الدولة، فأويحيى الذي لم يحدث أن زعزعته الهزات والعواصف والعوائق التي اعترضته طوال مسيرته الإدارية والسياسية، بل كان دائما جنديا وفيا للسلطة، بعيدا عن "الشعبوية" بمفهومها السلبي، حتى وإن أكسبه ذلك عداوة مع الشعب فصار يلقب ب "رجل المهمات القذرة". أويحيى، دائما ما يقدم على أنّه "الابن المدلل للسلطة"، ويروّج له كرجل دولة حازم وصارم ومتحفظ وصاحب شخصية قوية، وحتى الوصف الذي ارتبط به ك"رجل المهمات القذرة"، يجري التسويق له بنظرة إيجابية، باعتباره الرجل الذي ضحى بكل شيء وحتى بسمعته الشخصية من أجل الصالح العام ومن أجل خدمة الدولة الجزائرية، وهذه مؤشرات يبني عليها المراقبون ويقدمونه على أساس أنّه الخليفة الأصلح لبوتفليقة والأفضل للجزائر خلال هذه المرحلة الحساسة. أويحيى، قالها صراحة وأكثر من مرة "أنا خدام الدولة"، وبقي وفيا طيلة العقود الماضية لكلمته "أنا خدام الدولة"، ولعل الدفع به مرشحا لرئاسيات 2014، سيكون أحسن رد جميل يكافؤ به الرجل بعد مسيرة عمل تميزت بالإخلاص والوفاء رغم الزمن الطويل، خاصة أنّ أويحيى يملك جميع المواصفات التي تجعله محل إجماع وسط دوائر السلطة الفعلية. فخروج أويحيى من الحكومة بعد التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لم يخلف ضجيجا أو عداوات، بل ظّل الرجل وفيا للسلطة وللرئيس بوتفليقة، وظلّ مساندا لبرنامج الرئيس، بل دعا أكثر من مرة، كما جدد مرارا وتكرارا إلى أنّ شخصه وحزبه في خدمة العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة إذا ما قرر الترشح. من جانب آخر، لم يعر أويحيى أدنى اهتمام للحركة التقويمية التي شهدها "الأرندي"، وفضّل النأي بنفسه عن المهاترات والسقوط في التصريحات والتصريحات المضادة، فبقي بذلك رجلا ورقما غامضا يحسب له ألف حساب وينظر إليه دائما بأنّه صاحب الشأن الأكبر في رئاسيات 2014. وهو الغموض الذي لا يؤتمن له جانب، فقد يكون أويحيى أٌبعد ولم يبتعد عن الساحة تحسبا لرئاسيات 2014، وقد يكون الأمر مجرد "استراحة محارب"، فالرجل ما يزال يمتلك أوراقا بحوزته. وبالإضافة إلى وزن أويحيى الثقيل داخل السلطة، يتمتع الرجل أيضا بعلاقات مميزة مع الدوائر الأجنبية، فقد سبق له أن شغل منصب سفير ومستشار بسفارات الجزائر، قبل أن يشغل مناصب وزارية ويرأس الحكومة، مما مكّنه من خلق علاقات رفيعة مع عدة دوائر غربية، خاصة الفرنسيين، بحكم تعليمه الفراكفوني وطريقة إدارته للحكم. ورغم أن الرجل لم يظهر منذ انسحابه من الواجهة منذ أزيد من ستة أشهر، واقتصار "خرجاته" على ما يسميه البعض "دبلوماسية الجنائز الرسمية"، إلاّ أنّ اسم الوزير الأول الأسبق، ما يزال الرقم الغامض في المعادلة السياسية بالجزائر، خاصة أنّ الرجل عرف كيف يضع نفسه في موقع قوة بالتوازي مع بداية العد التنازلي لرئاسيات 2014، وذلك بتحرر الرجل من جميع التزاماته الرسمية والحزبية، ودخوله فترة "الصمت" و"الانزواء عن الأضواء"، بالشكل الذي يسمح له أولا بالتحضير لخوض غمار الرئاسيات، وثانيا باحترام البروتوكول المؤدي لبوابة قصر المرادية، خاصة أنّه مشهور بترديده للكلمة التي أوصاه بها والده العامل البسيط في قطاع السكك الحديدية بأنّ "الوصول درجة درجة"، وقد استوفى الرجل جميع درجات سلم السلطة، ولم تبق له سوى درجة قصر المرادية. نسيم.ع المحلل السياسي، محند أرزقي فراد ل"البلاد" أويحيى "جوكر" السلطة ل"اليوم الموعود" اعتبر المحلل السياسي، محند أرزقي فراد، أنه من الصعوبة بمكان أن يتنبأ المتتبع للساحة السياسية بما هو آت، خاصة فيما يتعلق بملف الرئاسيات القادمة باعتبار أن "المنطق الديمقراطي مغيب"، إلا أنه اعتبر الأمين العام السابق للأرندي أحمد أويحيى "له حظوظ وافرة" ويمكن أن يؤدي دور "جوكر". وقال فراد إن "إبعاد" أويحيى من التجمع الوطني الديمقراطي يعد "مفاجأة"، حيث تساءل في هذا الصدد قائلا "من قام بإبعاده هل القاعدة النضالية؟ أو كبار القوم؟"، ليستدرك بقوله أن الأحزاب السياسية في الجزائر لا تسير بالمنطق الديمقراطي، وإلا لكان بإمكان أويحيى الترشح -حسب قوله- أنه يمكن أن يصبح رئيسا، ويضيف فراد أن رئيس الحكومة والوزير الأول السابق "له حظوظ وافرة" لاعتلاء قصر المرادية، وفظل منحد أرزقي التركيز في التحليل على ما يحدث داخل التجمع، حيث أشار إلى أنه في الجزائر "لا توجد أحزاب وإنما أجهزة"، كما تساءل محدثنا إن كان إبعاد الرجل يشير إلى أنه انتهى سياسيا أو تم إبعاده لتحضيره لموعد الرئاسيات 2014، حيث أوضح فراد أن "كل شيء ممكن". من جهة أخرى، قال محند أرزقي فراد، إن حظوظ أويحيى لدخول قصر المرادية وافرة لعدة أسباب، ذكر منها أنه أكثر من عشريتين وهو "يتم تحضيره" لما سماه "اليوم الموعود"، مضيفا أنه لم يرفض يوما أي خدمة مهما كانت، كما أنه معروف على الرجل -حسب فراد- أنه عبارة عن "جندي منضبط في السلطة"، وأشار فراد إلى أنه في حال ترشح زعيم الأرندي فإنه "سيعطي نفسا" للسلطة القادمة وسيؤدي دور "الجوكر"، وأشار فراد إلى أن الانتخابات الرئاسية "لن تخرج عن المعهود"، وأنه في حال أرادت السلطة أن تكون مفتوحة فإن الرأي العام "لا يعرف ما سيختار" باعتبار أنه يعاني من التخدير الإعلامي مما يؤدي به حتما إلى اختيار مرشح السلطة. أجمع محللون ومراقبون للشأن السياسي الجزائري على أن استقالة أحمد أويحيى من الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي "الأرندي" لها علاقة مباشرة برئاسيات 2014، سواء بقطع الطريق أمام ترشح أحمد أويحيى أو تحضيره كمرشح، وأكدوا على أن أويحيى قد تم إبعاده تحسبا لطبخة رئاسيات 2014، حيث يرى مراقبون أن ما حدث لأويحي في حزبه يعد "إبعاد" وليست استقالة، لأن أحمد أويحيى هو "الابن المدلل للسلطة" ويروج له كرجل دولة حازم ومتمكن، ورغم أن الرجل لم يظهر منذ انسحابه من الواجهة إلا أنه يبقى رقما غامضا في الفترة القادمة التي يتصدرها رهان الرئاسيات، ويبقى حسب قراءات العارفين من أكثر "مرشحي السلطة المحتملين". عبد الله ندور