في أول رد فعل رسمي على نتائج الانتخابات التشريعية قررت حركة مجتمع السلم رسميا عدم المشاركة في الحكومة المرتقبة، التي ينتظر أن تتشكل بعد استقالة حكومة أحمد أويحيى الحالية، وفق ما جرى عليه العرف السياسي في البلاد. وجاء هذا القرار في نهاية أشغال مجلس الشورى الوطني في دورته الطارئة التي انعقدت نهار أمس واستمرت إلى ساعة متأخرة من الليل بالمقر المركزي للحزب، حيث حظي الخيار المذكور بثقة الأغلبية، 134 صوتا مقابل 35 صوتا للراغبين في البقاء داخل الحكومة. وكان قرار حركة الراحل نحناح متوقعا قبل إعلانه، حيث إن خيار الانسحاب من الجهاز التنفيذي كان مطروحا بقوة استنادا إلى النقاشات التي سادت في الأشهر الأخيرة داخل صفوف الحزب، وتكرس هذا الاحتمال أكثر عقب نتائج تشريعيات 10 ماي المنصرم، التي اعتبرها رئيس الحركة أبوجرة سلطاني أنها كانت «مزورة»، وذلك في معرض خطاب ساخن تقدم به أمام وسائل الإعلام وأعضاء الهيئة الشورية أثناء جلسة الافتتاح قبل يومين. يذكر أن الحركة قد انحازت في عهد مؤسسها الأول الشيخ الراحل محفوظ نحناح إلى خط المشاركة السياسية بعد إلغاء الدور الثاني من برلمانيات 1991، حينما دخلت البلاد في مأزق دستوري، نظرا لفقدان مؤسساتها التمثيلية للشرعية الشعبية، تزامنا مع دخول الجزائر مرحلة المنعطف الخطير باندلاع أحداث العنف التي هددت كيان الدولة الجزائرية، هذا الوضع دفع برئيس حركة المجتمع الإسلامي آنذاك إلى معاكسة التيار وتحمل «المغامرة الوطنية» بتعبير البعض، وقرر أن يدخل المجلس الوطني الانتقالي، ثم يخوض غمار الانتخابات الرئاسية وسط مقاطعة تيار سانت جيديوفي ذلك الوقت من عام 1995. وذهب الراحل نحناح وقتها إلى أبعد من ذلك، باتخاذه قرار المشاركة في الحكومة الأولى للرئيس ليامين زروال، باستلام حقيبتين وزاريتين، كان على رأس إحداها الرئيس الحالي للحركة أبوجرة سلطاني في منصب كاتب دولة مكلف بالصيد البحري، وتعمقت مشاركة الحزب أكثر عقب برلمانيات 5 جوان 1997 بعد احتلال الحركة المرتبة الثانية ب71 نائبا، إذ منح 7 حقائب وزارية، شكلت بذلك تجربة ذات صدى دولي في ميزان الحركات الإسلامية، واستمر نهج المشاركة حتى توج سلطاني وزيرا للدولة من دون حقيبة، بعد توقيعه ميثاق التحالف الرئاسي عشية الانتخابات التي جرت في 16 أفريل 2004، قبل أن يتخلى عن موقعه في غضون الأزمة التي عصفت بالحركة إثر المؤتمر الرابع. وإذا كان تخندق حركة مجتمع السلم اليوم في معسكر المعارضة بعدما ظلت تشارك في الحكومة طيلة 16 سنة خلت، قد كان منتظرا لدى البعض ممن توقعوا مثل هذا التغيير في علاقة الحزب بمؤسسات الدولة، بالنظر إلى التراجع الكبير والفاتورة الباهظة التي دفعتها نظير انخراطها في السلطة، فإن البعض الآخر يرى في الموقف المعلن مفاجأة كبرى ستكون لها تداعياتها البالغة على واقع الحزب وصورة المشهد السياسي في البلاد.