منذ ظهور الكمبيوتر وانتشار الإنترنت، بدأت الحياة الإلكترونية شيئاً فشيئاً تأخذ حيزاً كبيراً من حياتنا الحقيقية، وسرعان ما تخطت كونها وسيلة للتواصل والتعارف، وتمدّدت إلى الجوانب العاطفية، حيث بدأت في السنوات الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي تتداخل في الحياة الإنسانية على مستويات عدة، أبرزها السياسي والاجتماعي، وتكوين العلاقة الاجتماعية التي كان لها دور بارز في ظهور ظاهرة الحب على الإنترنت. مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي بدأ الإنترنت تدريجياً في اقتحام مساحات من حياة كل شخص، حيث أصبح عاملاً أساسياً في إعادة تشكيل أنماط حياتنا، بل وطريقة التفكير وأسلوب التحدّث والتعامل، ومن بين المساحات التي اقتحمتها الشبكة العنكبوتية، مساحة العلاقات العاطفية، فمع عالم سيبري بديل عن الواقع بمميزات أكثر وأفضل من الواقع، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لخلق علاقات إنسانية جديدة، بينها بالضرورة العلاقات العاطفية، سواء للباحثين عن الحب والارتباط، أو الآخرين من هواة العلاقات الغرامية أو حتى الجنسية، كون أن الفضاء الإلكتروني أكثر رحابة وتحرّراً من الواقع. العلاقات الإنسانية والاجتماعية تحكمها أمور حقيقية وواقعية، من الصعب تحويلها إلى مجموعة من الأرقام أو الحروف أو الصور عبر الأجهزة الرقمية والكمبيوتر، ليصبح الأمر أقرب إلى تسطيح ما هو إنساني لدرجة قبول توظيفه في عالم افتراضي غير واقعي. هناك الكثير من الأشياء التي تفتقدها العلاقة الافتراضية غير الحقيقية، ومنها الشعور بالأمان، حيث إن احتمالية وقوع الضرر قائمة طوال الوقت في التعاملات عبر الإنترنت، إذ إنه ليس هناك وثوقاً كاملاً طوال الوقت من أنّ مَنْ يتم التحدّث إليه هو نفسه الشخص الذي يصوّره لك، إما عبر صوره، أو تعريفه لنفسه على صفحته الشخصية، فيزداد عدم الإحساس بالأمان، والشعور النفسي الذي تتجاوز محدداته الخوف من وقوع الضرر المادي إلى أمور أخرى شعورية، وهو ما يجعل علاقات الإنترنت محكوماً عليها بالفشل، كون أن العلاقات العاطفية كغيرها من أنواع العلاقات الإنسانية، تحتاج في الأساس إلى تعزيز الشعور بالأمان بين طرفيها. أسباب نجاح أية علاقة عاطفية متعدّدة، وقد تختلف من شخص لآخر بحسب ما يراه ملائماً لمتطلّباته الشخصية، ولكن الشيء الذي لا يمكن أن تقوم علاقة حقيقية أصيلة بدونه هو الثقة، والتي تحتاج إلى مقومات عديدة لا يمكن أن تُبنى بين عشية وضحاها، منها التواصل المباشر بين الطرفين، أيضاً مواقف اختبارية كمقياس ثقة لدى كل طرف في العلاقة. عبر الإنترنت احتمالات الخداع عالية بسبب سهولته، كون أن الشخص يتعامل مع شيء غير ملموس، ولا يمكن التأكد أصلاً من حقيقة هويته أو وجوده، كذلك فإن الأحاسيس في تلك العلاقات الافتراضية هي في الغالب تكون وهمية وغير حقيقية، وعلى سبيل المثال الصورة التي يقدّمها الشخص لنفسه، حيث غالباً يحب كل شخص أن يقدّم نفسه للآخرين كأفضل ما يكون، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويجد الفرصة سانحة على شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت. علاقات الإنترنت تعتمد على وفاء وهمي، والذي يمثّل المؤشر الأول على استمرار العلاقة في الاتجاه الصحيح من حيث الجدية والقوة، وتمسّك الطرفين ببعضهما البعض، والتزامهما بالعلاقة، حيث إن علامات الوفاء أو المواقف الاختبارية له عديدة، إلا أنه للتأكد من إخلاص شريكك عبر الإنترنت، وأنه لا يُدير علاقات متعدّدة مثل هذه، أمر صعب، بل يكاد يكون مستحيلاً. المشكلة في العلاقات العاطفية عبر الإنترنت أنها لا تحقّق بأيّ حال من الأحوال نموذج الوفاء والثقة والأمان والطمأنينة، وإن أكد طرفا العلاقة على جديتهما ووفائهما لبعضهما البعض، تبقى تلك مجرد طرقات على لوحة الكتابة، وتبقى الأعذار كثيرة: انقطاع الاتصال بالإنترنت. عدم التواجد أمام الحاسوب، أو عدم ملاحظة الإشعارات على هاتفه النقّال، أو السفر المفاجئ، والكثير من الأعذار التي قد تكون مناسبة لإنهاء تلك العلاقة. وتفسّر د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تكوين العلاقات العاطفية على الإنترنت، بأنه أحياناً يبدأ بالمناقشات على شبكات التواصل في موضوعات عامة، ثم تتحوّل هذه المناقشات إلى علاقات عاطفية، وهذا أمر محتمل الحدوث ولا يبدو غريباً، لأن هذا الموضوع يتوقّف على نوع المستخدمين لهذه المواقع، ومدى وجود اهتمامات مشتركة بينهما ومعتقداتهم المتشابهة، فمن الطبيعي أن يشعروا بميل عاطفي، خاصة مع وجود استعداد عاطفي لدى الطرفين، مشيرة إلى أن هذه العلاقات تحتمل النجاح والفشل، الأمر الذي يتوقّف على الصدق وكيفية تقديم الشخصية لنفسها، ومعلومات تعكس حقيقته، لذلك الوضوح والصدق هما اللذان يحدّدان الاستمرار في هذه العلاقات أو توقّفها وفشلها. ومن جهتها، تقول د. إيمان درويش، المتخصصة في العلاقات الاجتماعية: إن تكوين العلاقات عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومنها العلاقات العاطفية، يأتي كأحد انعكاسات الانتشار والتواجد الواسع لتلك الوسائل والمساحة التي تشغلها في حياتنا، حيث أصبحت تحاكي الواقع، بل تتفوق عليه وتأخذ مكانه لدى الكثير من الجيل الحالي، لافتة إلى أن الإنترنت هو وسيلة للتعارف، تتميّز على الواقع في سهولة التواصل والتعبير عن الشعور، وتتخطى حاجز الخجل الذي يمثّل عائقاً في مثل هذه المواقف، وهو ما جعلها تحوذ على الكثير من العلاقات العاطفية، التي منها الناجحة ومنها الفاشلة. وعن تقبّل المجتمع لهذا النوع من العلاقات توضح درويش، أن المجتمع ليس عنده خيارات فعلية أن يقبل ذلك، وعليه أن يتكيّف مع هذا الأمر، لافتة إلى أنه في علم الاجتماع حالياً يدرس فرع جديد اسمه "علم الاجتماع الآلي"، وهو يتعرّض للعلاقات الاجتماعية التي تنشأ وتقوم على مثل هذا النوع من العلاقات على الإنترنت.